في ظل تخوفات النظام الإيراني القديمة المتجددة حيال سعي الغرب، خصوصًا الولايات المتحدة، لإسقاطه، أصبحت مسألة تشديد الإجراءات الوقائية تجاه شبكات التجسس وغيرها من أولويات هذا النظام. ونتيجة للاغتيالات المتسلسلة لعلماء الذرة الإيرانيين، بالإضافة إلى الهجوم السايبيري على المنشآت النووية، سار هذا النظام نحو مزيد من التشدد في هذا الاتجاه.
نسير مع القارئ الكريم في هذا المقال لنسلط الضوء على تلك الحساسية المفرطة التي يبديها النظام الإيراني تجاه الإيرانيين من ذوي الجنسية المزدوجة.
بادئ ذي بدء تتجلى قراءة النظام الإيراني لمزدوجي الجنسية في كونهم محط شكوك من قبل هذا النظام، والاعتقاد أن بعضهم، إنْ لم يكن جُلهم، مخترقين من قبل أميركا، وبالتالي فهم مصدر تهديد ووسيلة لتسريب المعلومات للخارج المعادي له.
تزامنت إثارة موضوع مزدوجي الجنسية من جديد مع الإعلان عن اكتشاف جاسوس بين أعضاء الفريق الإيراني المفاوض حول البرنامج النووي مع مجموعة 5+1. غير أن مسألة الشكوك تجاه هذه الفئة تثار بين فينة وأخرى، كلما ألقي القبض على بعضهم. وهو ما ظهر واضحًا في ممارسات النظام الإيراني تجاه مزدوجي الجنسية بعد اضطرابات الانتخابات الرئاسية لعام 2009م.
ونتيجة لتلك الاضطرابات التي أثرت على صورة النظام الإيراني، تقدم البرلمان في دورته التاسعة بمشروع قرار يستهدف أولئك الذين غادروا إيران بعد عام 2009م، وأشار إلى وجود حساسية وقلق بشأن مزدوجي الجنسية وحاملي بطاقات «الغرين كارد»، خصوصًا المسؤولين والمديرين التنفيذيين، بعد اضطرابات 2009م، ولجوء مجموعة من مسؤولي حكومة خاتمي، من بينهم وزير الإرشاد ونواب البرلمان السادس وبعض الشخصيات الاجتماعية والسياسية، في ذلك الوقت إلى الخارج.
ومع ظهور فضيحة الرواتب الفلكية والاختلاسات الكبيرة التي طالت البنوك وبعض الصناديق الائتمانية، أعلن ناصر سراج، رئيس هيئة التفتيش العامة في إيران، ضرورة طرد مزدوجي الجنسية من الأجهزة التنفيذية، معتبرًا أنهم مطمئنون في حال هروبهم على وضع عائلاتهم التي تعيش خارج إيران. دفع هذا الأمر بدوره إلى إثارته من جديد في البرلمان الإيراني العاشر، موسعًا لدائرة من يشملهم القرار.
هذا المشروع القانوني الأولي لاستقصاء مزدوجي الجنسية المزمع مناقشته من قبل البرلمان الحالي، يتعلق بالمادة 982 من القانون المدني الإيراني الذي بدوره يمنع مزدوجي الجنسية من تولى مناصب قيادية، مثل رئاسة الجمهورية ومساعدي رئيس الجمهورية، وكذلك عضوية مجلس صيانة الدستور ورئاسة السلطة القضائية والوزارة، ومن يقوم بتصريف شؤون الوزارات، وكذلك منصب المحافظ وحكام الأقضية، وعضوية البرلمان وعضوية مجالس المحافظات والأقضية والمدن، والعمل في وزارة الخارجية والقضاء، ومناصب قيادية في الجيش والحرس والقوات الأمنية والمناصب الأمنية والاستخباراتية العليا.
على ضوء ما تقدم، أعلنت اللجنة الأمنية البرلمانية الإيرانية، وفقًا لتقرير وزارة الاستخبارات، أن 79 مديرًا مشكوك في ازدواجية جنسيتهم، وأنه تم التحقق من 35 منهم.
وعلى الرغم من أن حسين نقوي حسيني، المتحدث باسم لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية بالبرلمان الإيراني، كان قد أعلن من قبل أن عدد المديرين مزدوجي الجنسية يبلغ 35 مديرًا، وأنه تمت الاستعانة بوزارة الاستخبارات لمتابعة ذلك الأمر، فإن محمود علوي، وزير الاستخبارات الإيراني، رأى في موضوع ازدواج الجنسية أنه أحد السيناريوهات المختلفة لإضعاف الحكومة التي يقف وراءها المعارضون لها، معتبرًا أن هناك 40 ألف إيراني تقريبًا من مزدوجي الجنسية، وأن ازدواج الجنسية لا يعني أن هؤلاء من الفاسدين، وأنهم خائنون وجواسيس.
والحقيقة، وفي ظل استمرار توجسات النظام الإيراني من نيات الغرب، خصوصًا الولايات المتحدة، فإن الوضع مرشح لأن يبقى كما هو، مع وضع مزدوجي الجنسية مصدر شك وريبة، وبالتالي تضييق الخناق عليهم انطلاقًا من تلك الشكوك التي تراوده من إمكانية استغلالهم من قبل الولايات المتحدة، والسعي بالتالي إلى تجريدهم من مناصبهم.
وفي الوقت ذاته، لا يمانع النظام الإيراني من استغلال أولئك الإيرانيين الذين يعيشون في الغرب في تحسين صورته، وتشكيل لوبيات، لتشكل عامل ضغط على الحكومات الغربية، والدفع بها تجاه تحسين العلاقات مع النظام الإيراني.
8:2 دقيقه
TT
المنظور الإيراني تجاه مزدوجي الجنسية
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة