د. سلطان محمد النعيمي
كاتب إماراتي
TT

مفارقة قبل الانتخابات الايرانية ودعوة للتمعن

«هذا السؤال تافه».
لعل القارئ الكريم يتساءل عن دلالة العبارة السابقة. والحقيقة أن قائلها في ذلك الوقت كان يعني من ورائها أمرًا ما.
نسير مع القارئ الكريم لفك طلاسم تلك العبارة وما الذي يرنو لها صاحبها.
في حين توالت التصريحات الناقدة للرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد في خطواته الأخيرة التي أعطت مؤشرًا على رغبته في العودة إلى الساحة السياسية عبر بوابة الانتخابات الرئاسية، جاءت توجيهات المرشد الإيراني لأحمدي نجاد على شكل نصيحة بعدم خوض الانتخابات المقبلة انطلاقًا من مصلحة الأخير ومصلحة إيران.
بالنظر إلى العلاقة بين التيار الاصولي والرئيس السابق أحمدي نجاد، يمكن اعتبار أن هذه العلاقة قد مرت بمرحلتين على النحو التالي:
الأولى: مرحلة الدعم.. التي بدأت حتى قبل الانتخابات الرئاسية عام 2005م، عندما قام التيار المحافظ في إيران، نتيجة هزيمته في البرلمان السادس وقبله الانتخابات الرئاسية السابعة بفوز الإصلاحيين، بإعادة الاصطفاف، وقام الصف الثاني في هذا التيار بتقديم قراءات جديدة دفعت بهذا التيار ليُعرف في الأدبيات السياسية الإيرانية بالتيار الاصولي، واستطاع في ضوء تلك القراءة، بالإضافة إلى فشل التيار الإصلاحي، تحقيق وعوده بالفوز بالمجالس المحلية، تلاها البرلمان في دورته السابعة. وفي خضم ذلك أصبح نجاد رئيسًا لبلدية طهران، لينتقل بعدها ليكون أحد مرشحي التيار الراديكالي المتشدد في الانتخابات الرئاسية التاسعة، ويحقق فوزه أمام هاشمي رفسنجاني بدعم مباشر من المرشد.
في مرحلة الدعم هذه كان نجاد قريبًا من الحرس الثوري ورموز التيار المتشدد، وأصبح الطريق وقتها مُعبدًا أمام الحرس الثوري للانتقال من ثكناته العسكرية إلى الحياة السياسية عن طريق تعيين عدد منهم في حكومة أحمدي نجاد، في حين أصبح بعض القادة السابقين نوابًا في البرلمان الإيراني.
ثانيًا: مرحلة الصراع.. رغم الدعم الكبير الذي لقيه أحمدي نجاد في الانتخابات الرئاسية العاشرة عام 2009م التي فاز بها بدورة ثانية، ورغم اللغط الذي صاحب تلك الانتخابات، فإن التوجهات القومية لديه قد دفعت باتجاه اصطدامه أولاً بالمؤسسة الدينية التي اعتبرته مهددًا لمكانتها، كما أن تطلعاته لإعطاء منصب رئاسة الجمهورية صلاحيات أوسع مرتكزًا على الدستور دفعت بالتالي إلى اصطدام مباشر مع المرشد، وبالتالي الاصطدام مع مؤسسات أخرى من قبيل الحرس الثوري.
هذا التحول من قبل أحمدي نجاد الذي اعتبره رئيس البرلمان الإيراني علي لاريجاني ظاهرة غريبة وعجيبة، دفع إلى اعتباره خارج إطار التيار الاصولي، وهو ما تجلى من خلال التصريحات وردود الفعل حول إمكانية مشاركة أحمدي نجاد في الانتخابات الرئاسية.
وحين يتساءل القارئ عن مؤشرات رغبة نجاد في العودة إلى الساحة السياسية، فإنه يمكن القول إنه بعد انتهاء الفترة الرئاسية لنجاد عام 2013م تم تعيينه من قبل المرشد الإيراني عضوًا في مجمع تشخيص مصلحة النظام، وهو لا يعدو كونه منصبًا فخريًا لا يتناسب مع شخصية نجاد التي تسعى على الدوام للبروز وفرض الذات.
لم تُشاهد لنجاد بعد تلك الفترة أنشطة سياسية، بل اتجه إلى الجانب الأكاديمي وسعى لتأسيس جامعة «إيرانيان» التي اتُهم بأنه أسسها بأموال عامة، ولقيت معارضة وعدم اعتراف بها من قبل وزارة التعليم العالي في إيران.
ومع اقتراب الانتخابات البرلمانية التي أُقيمت في فبراير (شباط) 2016م سُئل أحمدي نجاد هل سيشارك فيها، فكان جوابه ما جاء في بداية هذا المقال، ليعطي بدوره مؤشرًا على أنه يتطلع إلى الانتخابات الرئاسية القادمة لمنافسة روحاني في عام 2017م.
ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية بدأت المؤشرات تظهر قوية على نية نجاد العودة من جديد إلى الساحة السياسية من خلال الانتخابات الرئاسية، فعاد من جديد إلى زياراته المنظمة إلى المحافظات الإيرانية المختلفة وإلقاء الخطب. كما بعث برسالة إلى الرئيس الأميركي باراك أوباما يطالبه فيها بإعادة الأموال الإيرانية، واصفًا نفسه بخادم الشعب الإيراني.
يعود القارئ العزيز من جديد ليتساءل، وما الذي يدفع المرشد إلى أن يطالب نجاد بعدم المشاركة في الانتخابات؟
الحقيقة أنه وبالنظر إلى ما قام به أحمدي نجاد خلال فترته الرئاسية الثانية ومناكفته للمرشد، من حيث تلكؤه في عزل صهره المثير للجدل، إسفنديار رحيم مشائي، من منصب نائب الرئيس الإيراني واعتزاله العمل لمدة 11 يومًا، اعتراضًا على رفض المرشد قرار عزل وزير الاستخبارات الإيراني حيدر مصلحي؛ أصبح شخصًا غير مرغوب فيه، بل إنه مهدد لأركان النظام الإيراني، فأصبحت مؤشرات الدعاية الانتخابية لنجاد مصدر قلق للنظام الإيراني، وبالتالي جاءت توجيهات مباشرة من المرشد لنجاد بعدم خوض الانتخابات الرئاسية القادمة.
وعلى الرغم مما قاله المرشد بـ«أنني لم أمنع الشخص المذكور من المشاركة في الانتخابات، بل قلت له إنه ليس من مصلحتك ومصلحة البلاد المشاركة في الانتخابات المقبلة»، فإن رسالة المرشد واضحة تجاه ما يشكله أحمدي نجاد من خطر، مما يدفع - كما يرى البعض - إلى عودة اضطرابات 2009م.
إن تدخل المرشد الإيراني في الأمر يعطي دلالات قوية على أن أحمدي نجاد لا يزال يتمتع بحضور قوي في الداخل الإيراني، الأمر الذي يدفع باتجاه ظهور انقسامات داخل التيار الاصولي المتشدد. دعوة المرشد لأحمدي نجاد إلى عدم خوض الانتخابات لا تعني أن ذلك سيكون في مصلحة روحاني، بل ربما يدفع إلى توحيد الصف داخل التيار المتشدد في اختيار مرشح يلقى تأييد الجميع.
امتثال أحمدي نجاد للمرشد لم يأتِ بالمجان، بل إن الرسالة التي بعث بها نجاد إلى المرشد في إعلانه طاعته له، في غالب الظن، تأتي لإظهار قوته في الساحة السياسية، وأن طلب المرشد منه ذلك لم كان ليأتي لولا إدراك المرشد القاعدة الشعبية التي يتمتع بها نجاد، وإلا لما كان المرشد الإيراني قد أعطى أحمدي نجاد هذا الحجم من الأهمية التي لعلها ستكون ورقة لدى نجاد في المستقبل.
دعوة للقارئ الكريم للتمعن في المفارقة التالية:
- يتدخل المرشد الإيراني في 2009م قبل الإعلان الرسمي لنتيجة الانتخابات من قبل مجلس صيانة الدستور، ليؤكد فوز نجاد.
- وقبل الانتخابات الرئاسية في 2017م يتدخل المرشد الإيراني ليضع حدًا لطموحات أحمدي نجاد في خوض هذه الانتخابات.