د. حسن محمد صندقجي
طبيب سعودي واستشاري قلب للكبار بمركز الأمير سلطان للقلب في الرياض
TT

المودة بين زملاء العمل.. تعزيز لصحتك

الترابط مع زملاء العمل بعلاقات اجتماعية جيدة ونمو مشاعر المودة بينهم يُوفر للإنسان فوائد صحية في الجوانب النفسية والجوانب البدنية على السواء، وهو ما أكدته دراسة حديثة لباحثين من أستراليا. وتأتي هذه الدراسة الأسترالية بالتزامن مع «اليوم العالمي للصحة النفسية» World Mental Health Day الذي تحدده منظمة الصحة العالمية WHO في 10 أكتوبر (تشرين الأول) من كل عام.
ووفق ما تم نشره ضمن عدد 4 أغسطس (آب) الماضي من مجلة «مراجعة علم النفس الاجتماعي والشخصية» Personality and Social Psychology Review، الصادرة عن «الرابطة الأميركية لعلم النفس» APA، قام الباحثون من جامعة كوين لاند الأسترالية بتحليل ومراجعة نتائج 58 دراسة طبية نفسية سابقة شملت أكثر من 19 ألف شخص من العاملين في 15 دولة حول العالم. ولاحظ الباحثون في نتائج دراستهم أن ارتفاع نوعية العلاقة الاجتماعية بين الموظفين أو العامل مع زملائه في العمل، له تأثير مهم في مستوى تمتعه بصحة نفسية وبدنية جيدة.
وعلّق الدكتور نيكلس ستيفنز، الباحث الرئيس في الدراسة بجامعة كوين لاند، بالقول «إننا نُصاب بالإرهاق الوظيفي Job Burnt Out بنسبة أقل، ونتمتع برفاهية صحية Health Well - Being بنسبة أعلى، حينما نوفر لأنفسنا في أجواء العمل ذلك الشعور بالترابط والعمل معا بروح الفريق، ووجدنا أن قوة الشعور بالترابط الاجتماعي بين الشخص وزملائه في العمل ومكان العمل، له علاقة بتحسن مستوى الصحة وتدني خطورة الوصول إلى حالة الإرهاق». وذكر الباحثون أن تلك الدراسات الطبية النفسية شملت عاملين في مجالات شتى ومتنوعة، كقطاعات تقديم الخدمات، ومحلات البيع، ومرافق تقديم الرعاية الصحية.. وغيرها.
ووفق العرض الإخباري لـ«المؤسسة القومية للصحة» بالولايات المتحدة على موقعها الإلكتروني حول الدراسة، فإن الباحثين قالوا إن نتائج دراستهم توضح أن العلاقات الاجتماعية في أماكن العمل يمكن أن تلعب دورا كبيرا في الصحة لدى العاملين في أماكن العمل. ومع ذلك، فإن الدراسة لا تثبت العلاقة بين الأمرين على أنها من نوع علاقة السبب والنتيجة، ولكنها تثبت وجود جدوى صحية متحققة من نمو مشاعر المودة بين العاملين وتمتعهم بعلاقات اجتماعية جيدة فيما بينهم.
وعلق الدكتور ستيفنز بقوله إن «هذه النتائج تبين أن كلا من الأداء الوظيفي ومستوى الصحة يتعزز بتوفير مكان العمل ذلك الشعور بالترابط الاجتماعي، والفوائد الصحية النفسية والعقلية قد تحصل نتيجة للشعور بدعم زملاء العمل، وأيضًا نتيجة للشعور بمعنى الذات والغاية، نتيجة للترابط مع زملاء العمل».
وهذه الدراسة تلفت النظر إلى جدوى الاستفادة من أحد العوامل التي قد لا يتصور البعض أنها مفيدة في رفع مستوى الصحة البدنية والنفسية لدى الإنسان، وهو عامل مودة زملاء العمل والتواصل الاجتماعي معهم وكسبهم بصفتهم أصدقاء، وهناك كثير من العوامل والتصرفات والسلوكيات التي تفيد صحتنا ولكنها تغيب عنا. ذلك أنه مع بحث الإنسان دومًا عمّا يرفع من مستوى الصحة البدنية والنفسية لديه، ثمة وسائل واقعية وقريبة من متناول اليد لتحقيق ذلك، وهي وسائل بسيطة، كل ما يتطلب تطبيقها والاستفادة منها هو اتخاذ المرء قراره الذاتي بالاهتمام بصحته.
وعلى سبيل المثال، صحة القلب؛ إذ إن من المعلوم أن أولى خطوات الاهتمام بصحة القلب تتمثل في الحفاظ على وزن طبيعي للجسم، وتناول الأطعمة الصحية، والحرص على ممارسة الرياضة البدنية، وهي كلها خطوات ممكنة وبسيطة ومن السهل أن يبدأ المرء بها في سبيل تحسين صحة القلب لديه دون الحاجة إلى الاستعانة المتواصلة بالطبيب. ومثال آخر؛ أثبت كثير من الدراسات الطبية النفسية جدوى العمل على بث روح الحيوية والسعادة في العلاقة الزوجية من أجل تحسين مستوى الصحة النفسية والبدنية. ومثال ثالث؛ أثبتت الدراسات أيضًا جدوى التواصل الاجتماعي مع الأقارب والأصدقاء في تحقيق صحة أفضل للنفس والبدن وقدرة أعلى على مقاومة الإصابة بالأمراض وتحسين فرص عدم تحقيقها المضاعفات والتداعيات على مرضى القلب وغيرها من الأمراض المزمنة. والشيء نفسه ينطبق على وسيلة العمل على تحسين الصحة البدنية والنفسية من خلال بناء المودة مع زملاء العمل والترابط الاجتماعي معهم، هي أيضًا أمر ممكن وقد لا يتطلّب من المرء جهدًا صعبًا كما قد يتصور البعض.
هذا من جانب؛ ومن جانب آخر، فإن امتلاك القدرات على التواصل الاجتماعي مع الأقارب والأصدقاء والاهتمام بتنمية روح المودة والتواصل مع الزملاء خلال فترة العمل، شيء لا يُفيد فقط صحة الإنسان البدنية والنفسية خلال سنوات العمل الوظيفي، بل يتعداها إلى فترات التقاعد وبدء المرء ممارسة الأنشطة والهوايات التي لم يكن بمقدوره ممارستها خلال فترات الارتباط بمتطلبات العمل اليومية. وكان الباحثون الأستراليون نفسهم قد نشروا ضمن عدد 16 فبراير (شباط) الماضي لـ«المجلة الطبية البريطانية المفتوحة» BMJ Open، نتائج دراستهم حول التأثيرات الصحية الإيجابية لارتفاع مستوى التواصل مع مجموعات الأصدقاء للشخص الذي دخل مرحلة التقاعد الوظيفي.
وذكر الباحثون أن التقاعد نقلة حياتية مهمة ولها تأثيرات على صحة الإنسان، وأن كثيرًا من الأشخاص يشهدون تدهورًا صحيًا بعد التقاعد، ولذا قاموا بإجراء دراسة، بالمتابعة والمقارنة لمدة ست سنوات لمتقاعدين في بريطانيا، حول تأثيرات نوعية الحياة التي يحياها المرء بعد تقاعده، على احتمالات الوفاة لديه. ولاحظوا في نتائج دراستهم أن تواصل المرء مع مجموعتين من الأصدقاء خلال مرحلة التقاعد يُقلل من احتمالات الوفاة خلال السنوات الست التالية، وتحديدًا تكون نسبة الوفاة أقل من اثنين في المائة. بينما تصل نسبة احتمالات الوفاة إلى 12 في المائة حينما لا يكون لدى المرء المتقاعد أي مجموعة من الأصدقاء الذين يتواصل معهم.
والحقيقة أن ثمة كثيرا مما يُفيد صحتنا، وتغيب عنّا الاستفادة من بعضه على أقل تقدير.