د. حسن محمد صندقجي
طبيب سعودي واستشاري قلب للكبار بمركز الأمير سلطان للقلب في الرياض
TT

لقاح الإنفلونزا الموسمية.. وقاية ناجعة

لا مناص من أن يتكرر التذكير الطبي بكيفية الوقاية والمعالجة لمرض ما حينما يكون ثمة تكرار موسمي للإصابات بذلك المرض، وحينما تنتشر الإصابات به على هيئة وبائية. والإنفلونزا الموسمية تتسبب بأوبئة كل عام، ووفق ما تذكره منظمة الصحة العالمية، فإن أوبئة الإنفلونزا تحدث في المناطق المعتدلة المناخ كل عام أثناء فصل الشتاء، في حين أنها يمكن أن تحدث في المناطق المدارية طيلة العام مسببة فاشيات مرضية أقل انتظامًا.
وتضيف المنظمة أن الإصابة بالإنفلونزا تحدث على الصعيد العالمي بمعدل سنوي يتراوح بين 5 في المائة و10 في المائة بين البالغين، ويتراوح بين 20 في المائة و30 في المائة بين الأطفال. وأن الاعتلالات الصحية بسبب الإنفلونزا الموسمية، يمكن أن تتسبّب في الدخول إلى المستشفيات وفي الوفاة، وخصوصًا في الفئات المعرضة لمخاطر المضاعفات الشديدة للإنفلونزا، وهي فئات الأطفال الصغار السن أو المسنين أو المصابين بأمراض مزمنة. وتتسبّب تلك الأوبئة السنوية في حدوث نحو ثلاثة إلى خمسة ملايين من حالة اعتلال وخيم، وفيما يصل إلى نصف مليون وفاة عالميًا. وتشير المنظمة إلى أن في البلدان الصناعية تُسجّل معظم الوفيات المرتبطة بالإنفلونزا بين الأشخاص البالغين من العمر 65 فأكثر. وتتسبب الأوبئة في مستويات مرتفعة من الغياب عن العمل، والدراسة، وفي خسائر كبيرة في الإنتاجية.
وعليه فإن الإنفلونزا الموسمية تستحق بجدارة أن يتكرر التذكير بكيفية الوقاية منها، خصوصًا أن أفضل وأنجع وسائل الوقاية المتوفرة هو تلقي لقاح الإنفلونزا الموسمية، لا سيما من قبل الفئات العُمرية الأعلى عُرضة للإصابة بمضاعفاتها. وهو لقاح موسمي أيضًا، لأنه يجب تلقيه في كل عام لنيل الفائدة الصحية المرجوة منه، وهو لقاح موسمي، بمعنى أنه يتم تجديد مكوناته موسميًا في كل عام وفق ما توفر لدى منظمة الصحة العالمية من بيانات حول أنواع سلالات فيروسات الإنفلونزا الأعلى انتشارًا خلال الموسم الماضي، التي من المتوقع أن تكون نشطة في الموسم الحالي. ومعلوم أن ثمة ثلاث فصائل لفيروسات الإنفلونزا، منها فصيلتا إيه A وبي B الأكثر تسببًا بفاشيات الأوبئة الموسمية، ولذا يتم تصنيع اللقاح ليحتوى على الأنواع الأعلى انتشارًا منهما.
ومع إدراك ما تقدم، يظل الهاجس السنوي الطبي متمثلاً في مدى الإقبال على تلقي عموم الناس للقاح على الرغم من توفيره. وفي التاسع والعشرين من سبتمبر (أيلول) الماضي عبّرت مراكز مكافحة الأمراض واتقائها بالولايات المتحدة CDC عن قلقها إزاء تدني الإقبال على تلقي اللقاح، خصوصًا بين فئات الناس الذين تكون أعمارهم أكبر من 65 سنة. ولاحظت المراكز أن موسم 2015 - 2016 شهد تناقصا بنسبة 1.5 في المائة في إقبال عموم الناس على تلقيه، وهو ما أدى إلى أن فقط 46 في المائة من سكان الولايات المتحدة تلقوا لقاح الإنفلونزا الموسمية. وبشيء من التفصيل، كان ثمة انخفاض أعلى في تلقي اللقاح بين الذين كانت أعمارهم فوق سن خمسين سنة، بمقدار نحو 3.5 في المائة.
وقال الدكتور توم فريدين، مدير المراكز الأميركية لمكافحة الأمراض واتقائها، في مؤتمره الصحافي إن «مرض الإنفلونزا شيء جاد، والإصابة بالإنفلونزا أمر غير متوقع، ولا تلقى الإنفلونزا الاهتمام المستحق من قبل الناس. ولو استطعنا رفع نسبة تلقي الناس للقاح بمقدار 5 في المائة فقط فإننا ربما ننجح في وقاية 800 ألف إنسان من الإصابة بها، وننجح أيضًا في منع اضطرار 10 آلاف إنسان إلى دخول المستشفى لتلقي المعالجة بسببها». وعلّق الدكتور وليم شكافنر، مدير المؤسسة القومية للأمراض المُعدية NFID وأستاذ الطب الوقائي والأمراض المُعدية في كلية الطب بجامعة فاندربين بناشفيلد، بالقول: «تدني إقبال البالغين الكبار على تلقي اللقاح هو بالفعل مشكلة لأنهم عُرضة بشكل أكبر لأضرارها، وخلال موسم 2014 - 2015 تم إدخال مليون شخص إلى المستشفيات الأميركية بسبب الإصابة بالإنفلونزا الموسمية، ثلاثة أرباعهم كانت أعمارهم فوق سن 65 سنة، ولذا فإن تلقيهم للقاح لا يُقلل فقط الإصابات بالإنفلونزا بينهم بل أيضًا يُقلل من حالات الدخول إلى المستشفى بسببها».
ولاحظت المراكز أيضًا أن الأطفال نالوا قسطًا وافرًا من نسبة تلقي اللقاح، وقد تلقاه تحديدًا نحو 75 في المائة من الأطفال ما بين عمر ستة أشهر و24 شهر في العام الماضي. وهي نسبة تقارب الهدف القومي بالولايات المتحدة للوصول إلى نسبة 70 في المائة في تلقي عموم الناس للقاح في كل الفئات العمرية. كما أشارت المراكز إلى أن نسبة تلقي الأطباء للقاح العام الماضي بلغت 96 في المائة.
وأشارت المراكز إلى أن لقاح الإنفلونزا الذي يُعطى كبخاخ للرذاذ عبر فتحتي الأنف Nasal Spray Vaccine تم وقفه لأن فاعليته في الموسم الماضي كانت ضعيفة، وبالتالي لا تتوفر إلا أنواع اللقاح التي يتم تلقيها بالإبرة. وأعادت التذكير بنصيحتها ضرورة تلقي جميع الناس الذين أعمارهم فوق سن ستة أشهر للقاح الإنفلونزا الموسمية، وتحديدًا قبل نهاية شهر أكتوبر (تشرين الأول)، وأنه تم بالفعل تأمين 93 مليون جرعة لقاح في الولايات المتحدة وسيتم استكمال 168 مليون لقاح إضافي خلال الموسم الحالي.