أجاب الرئيس السوري بشار الأسد محاوره قبل أيام ردًا على سؤال: «وما هي البراميل المتفجرة؟ إنه مجرد عنوان يستخدمونه لعرض شيء شرير جدًا يمكن أن يقتل الناس دون تمييز...»، بعد ساعات من تلك المقابلة انهالت البراميل المتفجرة والصواريخ بشكل غير مسبوق على مدينة حلب التي عاشت ليلة دامية من أصعب لياليها.
مرّت ست سنوات والإجابات هي نفسها: «لسنا نحن من قصف قوافل الإغاثة. لم نقتل أحدًا. إنهم المسلحون.. المؤامرة الدولية.. هذا غير صحيح..»، وإجابات فارغة كثيرة تلقى على المحاورين وعلى الرأي العام، حتى بات الجميع متآلفًا مع فكرة أن محاورة الأسد باتت بالمعنى الصحافي تفضي نحو اللاشيء، ومع ذلك استمر من يسعى لإجراء تلك المقابلات. وهنا لم يعد بالمقدور تجاوز هذا التهافت الإعلامي الغربي، لإجراء لقاءات مع الرئيس السوري الذي لا يتمنع بتاتًا عن تلبيتها، بل هو شغوف بالظهور على العالم، فما الحرج من أي سؤال مهما كان، ما دام العبث بالإجابات متاحًا ويصل إلى الجميع في الداخل والخارج، والأهم أن لا تبعة لأي شيء يمكن أن يقال مهما بدا غرائبيًا وكاذبًا ووقحًا. بل حتى يمكن القول إن الأسد في قرارة نفسه يعرف أنه حتى لو اعترف في مقابلاته بمسؤولياته عن كل ذلك القتل والموت، فلن يتحرك العالم وسيواصل الجميع التهافت على مقابلته، وربما شكره على حسن ضيافته في نهاية اللقاء.
حقيقةً آن لوسائل الإعلام الغربية الكبرى أن تسأل نفسها سؤالاً مهنيًا وأخلاقيًا في آن: ما الجدوى من إجراء مقابلة مع طاغية قاتل إن لم يكن للوصول إلى خلاصة ما؟ صحيح أن العمل الصحافي يبيح مقابلة الأشرار ومرتكبي الجرائم، ولكن لذلك معايير وتقديرات حساسة تراعى فيها المهنة والأخلاق أيضًا، فإن أتت المقابلات في سياق عرض سلبي تصبح وسيلة ترويج لا مساءلة وكشفًا، كما يفترض أن تكون.
ألا يسأل المحاور الصحافي الغربي تحديدًا نفسه لماذا يحضر إلى سوريا بعد أن يستجمع ما يملك من معلومات يجابه بها الأسد أو فريقه إن لم يستطع الخروج بمادة جديدة، لا أن يشعر بالتخبط وهو يحاول فك شفرات الإجابات العبثية التي تلقى أمامه؟ هذا تمامًا ما فعلته مثلاً مستشارة الأسد بثينة شعبان في لقاء تلفزيوني الأسبوع الماضي، حيث أكثرت من الحديث عن المؤامرة والإرهاب بنفس العبارات الفارغة التي يرددها الأسد، مضيفة عليها أسلوب النهر والتقريع، حيث ردت بفظاظة على المذيعة التي حاورتها بصفتها تمثل الاستعمار الغربي، وبصفة سوريا الدولة الوحيدة التي تقف في مصاف المناهضين للاستعمار.
هكذا ببساطة يصبح قصف حلب المميت والتفريغ الديموغرافي والاستقطاب الدولي حقائق لا معنى لها أمام العبث الكلامي السوري الرسمي.
لا تصلح هنا في هذه الحالات حجة «الرأي والرأي الآخر» لتبرير تلك المقابلات، فهذه الحجة باتت في ذروة ابتذالها، وليس مبررًا لهفة القنوات على تقديم مادة مهما كانت وتحت أي ذريعة.
لقد تمكن الأسد من أن يطبع العالم مع حقيقة نظامه القاتل، وإحدى الوسائل الأساسية لهذا التطبيع هو مقابلات من هذا النوع..
8:2 دقيقه
TT
ما الفائدة من مقابلة الأسد؟
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة