نبيل عمرو
كاتب وسياسي فلسطيني
TT

إسرائيل تنظم حصار الفلسطينيين

لا تتوانى إسرائيل ولو لدقيقة واحدة عن العمل الميداني المباشر، لتثبيت واقع يحكم أي حل محتمل للقضية الفلسطينية.
لم تعد الحكومة الإسرائيلية معنية بالمفاوضات السياسية مع الفلسطينيين، ومهما تحدث نتنياهو عن أهمية المفاوضات معهم، والاستعداد لإجرائها في أي زمان ومكان، إلا أنه حين يضع جملته الأشبه باللازمة «دون شروط مسبقة»، فهو بذلك يرتب للمفاوضات المحتملة وظيفة لا يمكن أن تخرج عنها، وهي الغطاء الملائم لاستمرار العمل على الأرض من جانب واحد، ووفق خطط إسرائيلية يجري تنفيذها فعلا، كان وزير الدفاع ليبرمان صاحب التصريحات الفظة قد وصفها بسياسة العصا والجزرة.
الخطة الإسرائيلية تقوم على أساس إدارة علاقات جديدة مع الفلسطينيين، عنوانها ومضمونها «التسهيلات السخية على صعيد الحركة والتنمية الاقتصادية»، ولا يستثنى من ذلك قطاع غزة الذي يفترض أن النظام القائم فيه لا يزال في حالة حرب مع إسرائيل، وفي هذا السياق دخلت الدولة العبرية سباقًا تسعى من خلاله إلى إثبات أنها جهة داعمة لحق الغزيين في الحياة، فإلى جانب تسهيلاتها المتفق عليها مع تركيا بحيث تكون إسرائيل هي القناة الوحيدة لتدفق المساعدات، فها هي تخطط لحل مشكلة الماء والكهرباء في القطاع المنكوب، سواء من خلال التدخل المباشر في تقديم الطاقة اللازمة لذلك، أو السماح لجهات دولية بإقامة مشاريع ضخمة لتوليد الكهرباء وتحلية ماء البحر، وبذلك تكون إسرائيل قد تولّت تنظيم الحصار على غزة ليس باستخدام طائرات «F16»، وإنما بخلق عازل بين الإجراءات العسكرية التي يتولاها ليبرمان، وبين الإجراءات التسهيلية التي تؤديها الحكومة، وما دام الأمر كله جملة وتفصيلا ينفذ بقرارات إسرائيلية، فهذا في محصلة الأمر اجتهاد مبتكر لتنظيم الحصار والرهان على جني مردودات أفضل بالنسبة لأمن إسرائيل من خلال ذلك.
هذا بشأن غزة المحكومة بشعار المقاومة وحالة الحرب مع إسرائيل، والشيء ذاته يطبق في الضفة إمّا بفعل الأمر الواقع الذي يلزم السلطة بالتعاون في أمر التسهيلات، أو من خلال قنوات تفتحها الإدارة المدنية الإسرائيلية، المسؤولة عن الضفة الغربية مع جهات فلسطينية، وغالبًا ما يتم ذلك من وراء ظهر السلطة ودون أن يكون لها دور مقرر في هذا المجال.
الخطة الإسرائيلية ماضية على قدم وساق وليس لدى الفلسطينيين من قدرات كافية لإعاقة هذه الخطط أو لإدخالها في مفاعل سياسي لا تكون فيه التسهيلات الممنوحة من قبل إسرائيل هي أساس العلاقة، وقد تصبح مع الزمن كذلك في غياب المسار السياسي، الذي من المفترض أن يحقق مبدأ الدولتين للشعبين وهو ذروة الحل السياسي المنشود، ولكن المبتعد في الوقت ذاته.
الإشكال الجوهري في الوضع القائم الآن، هو غياب الفاعلية لأي طرف ثالث يدعو ويعمل من أجل حل سياسي تكون التسهيلات مجرد مساعد له وليس بديلا عنه، فلا أميركا تحرك ساكنا في هذا الاتجاه، ولا غير أميركا يسمح له بالتدخل إلا في اتجاه واحد، وهو إقناع الفلسطينيين بقبول ما تمنح إسرائيل بحكم الحاجة، والتريث في أمر استئناف مسيرة سياسية تفتح الأمل بحل يرضي الفلسطينيين، وبينما إسرائيل تفعل ذلك بتسارع قوي على الأرض وبصورة مباشرة دون أي قدر من التمويه، تتكرس معادلة مقلقة في مجال التعاطي مع القضية الفلسطينية، الشق الأول منها.. منح الفلسطينيين أكثر مما يحتاجون من كلام التعاطف والدعم اللغوي، ويتجسد هذا في مهرجان الجمعية العامة للأمم المتحدة، أما الشق الثاني من المعادلة فهو ما تحظى به إسرائيل فعليًا، وليست المعونة الأميركية السخية التي وقعت مؤخرًا، ولا ما قبلها من دعم عسكري نوعي يبقي إسرائيل في حالة تفوق على جيرانها مجتمعين فهنالك الكثير غير ذلك.
معادلة كهذه هي من يغطي الجهد الإسرائيلي المتسارع على الأرض، ومن يبعد حل الدولتين الذي لا يزال شعارا مرفوعا في الخطب ومبتعدا باطراد عن الواقع.