جيم سليبر
TT

الصواب السياسي وأعداؤه الحقيقيون

في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وبينما كان سكوت سي جونستون، وهو خريج جامعة ييل عام 1982، يحضر مؤتمرًا نظمه برنامج «ويليام إف باكلي» عن الجامعة الأم، هاجم مجموعة من الطلاب المحتجين المكان. وبعدها بقليل شاهد مقطعًا مصورًا يظهر طالبة سوداء من الدارسات بالجامعة تكيل السباب لأستاذها المسؤول عن كليتها التي توفر السكن لطلابها بزعم فشله في توفير إقامة مريحة للطلاب.
دفعت تلك المظاهرات جونستون وغيره من الخريجين إلى إيقاف تمويل الطلاب المدللين والإداريين ضعيفي الإرادة.
«لا أعتقد أن شيئًا قد أضر بسمعة جامعة ييل كما فعل هذا المقطع المصور»، بحسب جونستون، مضيفًا: «أنت هنا لست في بيت أبيك»، في إشارة للطلاب.
ناهيك عن اسمها الكبير، فالكلية تعني رسالة، ورسالتها هي تدريس الصغار الفنون ونظام البحث المنفتح وطريقة التعبير. وهذا ما عمدت جامعة شيكاغو على تأكيده في رسالة وجهتها إلى طلابها الجدد عبرت فيها عن رفضها القاطع «لاعتراضات» الطلاب على بعض المقررات الدراسية ولمطالبهم بتوفير «أماكن آمنة» للطلاب ذوي الحساسية المفرطة وإلغاء الدعوات الموجهة للمتحدثين من مثيري الجدل.
لم تكن الاحتجاجات وحدها التي أفسدت البحث المنفتح والتعبير، بل كانت الطريقة المسعورة التي صورهم بها اليمين. كان غريغ لوكيانوف، رئيس مؤسسة الحقوق الفردية في التربية، هو من قام بتصوير المقطع المصور الذي تسبب في إثارة حفيظة جونستون، الذي أعاد موقع «ديلي كولر» نشره تحت عنوان «ها هي طالبة جامعة ييل المتميزة التي صاحت في وجه أستاذها»، مصحوبًا بصور لها مع والديها وبعض من جيرانها ببلدتها بولاية كينيتيكيت.
لم يظهر المقطع المصور مئات من الطلاب البيض الذين دخلوا في جدال صريح عن سلوكيات زملائهم. كذلك انضم نحو ألف طالب من الملونين إلى مسيرة حماسية داخل الحرم الجامعي مثل تلك التي شاهدتها هناك الخريف الماضي، وتجمع نحو ألف آخرين في الكنيسة، لسماع زملائهم وأساتذتهم يتحدثون من أعماقهم من دون حقد أو نفاق. فحرية الحوار والبحث المنفتح متاحان وما زالا بخير في الحرم الجامعي.
لكن حملة مقاومة «حرية التعبير» اليوم لا تريدك أن تدرك ذلك، فالحافز لتلك الحملة ليس الدفاع عن حرية التعبير، بل الآيديولوجيا التي تدين النشطاء والإداريين ذوي الفكر «الصحيح سياسيًا»، ويتردد في تشجيع «حرية السوق» كأفضل ضمان لتلك الحقوق. «ورغم التمويل السخي لكلياتنا وجامعاتنا التي تتحصل دومًا على جميع متطلباتها شأن أي نظام رأسمالي فعال، فقد أصبحت الجامعات أشبه بالمصانع التي تنتج نماذج متطابقة من البشر فكريًا وأخلاقيًا»، بحسب روغر كيمبال، رئيس برنامج جامعة باكلي التابع لجامعة ييل، أثناء مأدبة عشاء أقامها البرنامج العام الماضي في نيويورك.
فالطلاب لا يمثلون التهديد الحقيقي لحرية البحث، بل متطلبات السوق العاجلة التي يزعم المدافعون عن التعديل الأول للدستور الاعتزاز بها. فغالبية رؤساء الجامعات لا يخدمون السياسات الصحيحة، بل يرضخون لضغوط إرضاء الطلاب، أو بالأحرى الزبائن، ولتجنب السمعة السلبية والتعرض للمسؤولية القانونية وتكبد الخسائر التي تؤثر على أسهمهم في السوق، وهي العناصر المفترض أن تحكم عمل المؤسسات التجارية، لا مكاتب رؤساء الجامعات.
مثل هذه الحال المشوشة ليست بجديدة، ففي عام 1953 ساعد كتاب ويليام باكلي الذي صدر بعنوان «الله والإنسان» في جامعة ييل في دحر الاتجاه الاشتراكي العلماني الذي ساد بين أساتذة الجامعة في ذلك الوقت، ومهد الكتاب لتأسيس «معهد الدراسات الجامعية» لتدريب الطلاب على مواجهة محاولات تخريب الليبرالية ومبادئها التي تأسست عليها بلادنا، والتي يمكن تلخيصها في محدودية دور الحكومة، والحرية الفردية، والمسؤولية الشخصية، وسيادة القانون، واقتصاديات السوق.
واليوم بات الأغنياء يدعمون مجموعات مثل معهد الدراسات الجامعية، ومؤسسة «برادلي»، ومؤسسات «سكايف فاميلي»، و«كوتش بروذرز»، و«دونرز تراست»، التي تضم المتبرعين الذين لا يرغبون في الإعلان عن أسمائهم، وهي تضخ المال إلى مركز «ديفيد هارويتز فريدوم سنتر»، الذي تقوم لائحة حقوق الإنسان به بمراقبة المقررات الجامعية للأساتذة، ومؤسسة «كامبس وتش» التي تتابع التعليقات عن الشرق الأوسط.
وتزعم مؤسسة الحقوق الفردية في التربية – التي حصلت على مليون دولار من «مؤسسة برادلي» ومبلغ نصف مليون دولار من مؤسسة «دونرز تراست» - الدفاع عن قيم الحرية العريقة.
كان المحافظون يذكروننا دومًا أن حرية التعبير التي يصونها الدستور يتولى المجتمع المدني صياغتها وتفعيلها؛ وهي أن الحرية تتطلب ضبط النفس واحترام الآخرين، لا بالسباب والوعيد. بيد أن سياستهم الانتقائية في استراتيجية حرية التعبير الآن تساعد في تحويل شغب الجامعات إلى ساحات للحرب الكلامية بالمبالغة وإثارة المشكلات.

* خدمة «نيويورك تايمز»