طارق الشناوي
ناقد سينمائي، وكاتب صحافي، وأستاذ مادة النقد بكلية الإعلام في جامعة القاهرة. أصدر نحو 30 كتاباً في السينما والغناء، ورأس وشارك في لجان تحكيم العديد من المهرجانات السينمائية الدولية. حصل على العديد من التكريمات، وقدم أكثر من برنامج في الفضائيات.
TT

«أوبرا وينفري» لا تصلح للشاشة!

في التلفزيون المصري الرسمي الشهير بـ«ماسبيرو» تم إقصاء 6 من المذيعات اللاتي ينتمين إلى «شجرة الجميز»، وهناك عدد أكبر قد تضيف صفرًا على يمين الستة تم تهديهن بنفس المصير، ناهيك عن التلويح بين الحين والآخر بأن المذيعة ينبغي ألا تتجاوز الـ45 من العمر.
الظاهرة التي أتابعها على مدى 30 عامًا، أن وزن المذيعات وأحيانًا العمر، يتحول إلى معيار في الاختيار، وهو ما لم أرَ له مثيلاً في الفضائيات الخاصة المصرية أو العربية، لم أقرأ مثلا أن «دبي» تهدد أو «إم بي سي» تسأل عن وزن أو عمر المذيعة، ربما ستقول إنهن من البداية لا يسمحن لمن تتجاوز الوزن أو العمر بالظهور على الشاشة، بينما التلفزيون الرسمي الحكومي يزداد فيه عبر التاريخ هذا الهامش.
إلا أن السؤال هل الوزن حقًا يفرق في كثافة إقبال المشاهدين؟ إذا كان يفرق، فلماذا لا يطبق على الرجال أيضا، لدينا مثلاً عماد الدين أديب حطم كل المقاييس، أصلع وسمين ورغم ذلك كان من نجوم «الميديا» في تسعينات القرن الماضي، ولم يطالبه أحد لا هو ولا من بعده شقيقه عمرو بارتداء باروكة أو إنقاص الوزن، هل أوبرا وينفري مثالية في الملامح والوزن والعمر؟ صحيح بين الحين والآخر تبدأ في حمية غذائية، ولكن كل ذلك ليس له علاقة بعلاقتها بالكاميرا ولا حضورها على الشاشة.
كلنا نتابع أن هناك تراجعًا في معدلات المصداقية للتلفزيونات العربية الرسمية، وهذا مؤكد له أسبابه السياسية منذ ثورات الربيع العربي، ولكن عودة المشاهدة أساسًا مرتبطة بعودة الثقة في ما يبثه الإعلام الرسمي.
ويبقى اجتماعيًا ما هو رد فعل الناس لإقصاء مذيعات شجرة الجميز؟ تستطيع أن تقول طبقًا للإحصائيات المتداولة أن 60 في المائة مثلا من المصريات ينتمين إلى نفس الشجرة، أقصد الجميز طبعًا، ما هو رد الفعل النفسي عليهن، ألن يشعرن بنوع من الازدراء.
في العالم تنتشر مسابقات جمال للبدينات، وأخرى للقصيرات، وثالثة للطاعنات في العمر، وكما قال أمير الشعراء أحمد شوقي «كل مليحة بمذاق»، النمط الواحد للجمال لم يعد يفرض نفسه على الحياة، كما أن تلك المقاييس بطبعها متغيرة من زمن إلى آخر.
أول ما عرف الإنسان البدائي الرسم على الجدران كان يرسم صورًا للمرأة البدينة، والتي كانت قد تعني لديه العطاء، حتى العروسة الشهيرة «باربي»، التي تنتمي لعالم النحيفات، واحتفلت قبل أشهر بعيد ميلادها رقم 57، ورغم ذلك صنعت بأكثر من لون للشعر والبشرة والعين، وظهرت لها بدائل عربية محجبة وأخرى أوروبية ببشرة سوداء، كل ذلك لإرضاء كل الأذواق، ثم لو تخيلنا أن هناك مواصفات لمذيع المنوعات مثل التلقائية وخفة الظل، ولقارئ النشرة الجدية والحيادية والنطق اللغوي السليم، بينما مذيع «التوك شو» يعتمد على سرعة البديهة، وهكذا.. لا تستطيع أن تضع مقياسًا واحدًا، مؤكد أنا ضد السمنة لما لها من عواقب صحية وخيمة، ولكن في نفس الوقت لا يعني هذا أن يصبح الوزن أو العمر هو المقياس للظهور على الشاشة، لأن «أوبرا وينفري» لو تقدمت للعمل كمذيعة سيرفض طلبها، لأنها بدينة وتجاوزت الستين!