د. أحمد عبد الملك
كاتب واكاديمي قطري
TT

قرارات مجلس التعاون والإعلام

ضمن فعاليات مهرجان إذاعة وتلفزيون الخليج الذي نظمه جهاز إذاعة وتلفزيون الخليج في مملكة البحرين أخيرا، حضرت ندوة «دور الإعلام في التعريف بقرارات العمل الخليجي المشترك»، وكان الرأي السائد لدى مسؤولي الأمانة العامة، وبعض الرسميين من الأجهزة الخليجية المشتركة، أن الإعلام - بكل أطيافه - مقصر في تفسير وتوضيح قرارات العمل الخليجي المشترك. واتهم بعض المحاضرين (من الأمانة العامة) بأن الإعلام «مغيب» عن القرارات العشرة التي تعنى بالسوق الخليجية المشتركة، كما أشار لذلك الأستاذ جاسم العلوي من الأمانة العامة - وكذلك القرارات الخاصة بالشركات العامة أو الخاصة، والمواطنة الخليجية. كما تحدث الأستاذ عبد الله الخروصي - من الأمانة العامة - عن القرارات الخاصة بالخدمة المدنية والتعليم والصحة، مشيرا إلى أن حضور قائد الدولة في القمة وموافقته على قراراتها، يعتبر تصديقا للقرارات تلك، ولا بد أن تجري عملية تعديل التشريعات المحلية كي تتواءم مع ذلك القرار. (قرار قمة الكويت 1997)، كما تطرق إلى موضوع توظيف المواطنين الخليجيين في البلدان الأخرى، ومعاملة الخليجيين معاملة المواطنين في مجال الخدمة الوطنية (قرار قمة المنامة 2004).
بصراحة نحن لا ننكر أهمية وحجم القرارات التي جرى اتخاذها في القمم الخليجية المتعاقبة، ولا أهمية الدراسات التي ارتكزت عليها تلك القرارات، إضافة إلى الاجتماعات الوزارية المتخصصة، ودور المجلس الوزاري (وزراء الخارجية) في دراستها تمهيدا لرفعها إلى قادة التعاون.
الإشكالية هنا ليس في الإعلام، بل في شح المعلومة، وندرة من يقوم بتفسيرها من مسؤولي الأمانة العامة، بعد تلاوة الأمين العام لتلك القرارات بعد نهاية كل قمة خليجية!؟ وكذلك عدم اتفاق جميع الدول على تنفيذ تلك القرارات لاعتبارات محلية وإقليمية، بل وثنائية تختص بين البلدين العضوين في مجلس التعاون! فمثلا يوجد «جهل» لدى كثيرين من العاملين على الحدود (الجمارك) بالاتفاقية الاقتصادية، وأهمية انسياب السلع والبضائع من دون تعطيل بين الدول الأعضاء، ولقد اشتكى كثير من التجار (الصغار) من تلف بضائعهم على الحدود مع بعض الدول التي لا تطبق بنود الاتفاقية، رغم التوقيع عليها أو التصديق عليها من المراجع التشريعية!
وموضوع المواطنة الخليجية ما زال حبرا على ورق، وإن طبقت بعض الدول بعض بنوده. فهناك دول تمانع أن يقوم خليجي بفتح محل فيديو، أو حتى مكتبة، وهنالك دول تختصر تملك العقار في أدنى صوره (3000 متر مربع للسكن) فقط، ودول تسمح بأكثر من ذلك للمواطن الخليجي!
كان هناك في السابق تنسيق للشراء الجماعي للأرز والأدوية! ولا نعلم هل استمر هذا التنسيق أم توقف!؟ لأن الشراء الموحد يخفض التكلفة، وهو من ناحية أخرى يحرم المورد المحلي من بعض الامتيازات، ويحدث ما نسميه تضارب المصالح (Conflict Of Interests)، فتلجأ الدول إلى حماية تجارها!؟
لا أود الدفاع عن الإعلام، ولكن كما قلت، إن الموضوع يحتاج إلى إيصال المعلومة إلى الصحافة أو الإعلام عموما، قبل إيصاله إلى المواطنين، وإلى الموظفين ومديري الإدارات قبل المواطنين، كما أن الدورة (الورقية) في بعض الدول تأخذ وقتا طويلا، خصوصا في ظل عدم وجود متابعة محلية للقرارات الخليجية. كما أنه من الأهمية بمكان، الاعتراف بعدم وجود شفافية في التعامل مع الشكاوى التي ترد إلى الأمانة العامة، فيما يتعلق بتنفيذ قرارات العمل المشترك، فمن أين يعرف الصحافي الاختراقات أو المخالفات للقرارات الخليجية المتعلقة بالعمل الخليجي المشترك!؟ والأمر يحتاج إلى مزيد من الشفافية وتزويد الصحافيين بالمعلومات الجديدة والتحديثات التي تحصل في مجال تطبيق تلك القرارات. كما أن موافقة الهيئات التشريعية في البلدان الأعضاء على قرارات العمل المشترك تأتي مختصرة ومن دون تفصل، وهذا ما يشكل على الإعلامي استيعاب شكل ومضمون القرار.
وللأسف، فإن «الفزعة» لمجلس التعاون ما تكون قصيرة ومحددة في يومي قمة التعاون فقط، وهذا ما أكد الصورة «النمطية» لهذا المجلس في أذهان المواطنين، فهم يكررون: «أنا الخليجي.. والخليج إهوه طريقي» ولكن من الداخل «يتندرون» على ما آل إليه المجلس!؟ كما أن الظروف السياسية والعلاقات الخليجية لها دور مؤثر في «التحمس» لتنفيذ قرارات العمل الخليجي المشترك.
وإذا قال قائل: «إن الإعلام الخليجي مغيب عن قرارات العمل الخليجي المشترك، فإن المواطن أيضا هو الآخر مغيب عن تلك القرارات، ولقد ركز المجلس خلال أكثر من 30 عاما على الأمور السياسية والأمنية، ونفذ قراراتها بكل دقة وإخلاص، مما أعطى انطباعا بـ«أمنية المجلس»، أما القرارات الخاصة بالعمل المشترك، مثل الاتفاقية الاقتصادية، والمواطنة، والتشريع، وحقوق الإنسان وغيرها، فقد جاءت تالية في قائمة اهتمام الدول الأعضاء، وظلت القضية متأرجحة حسب (ترمومتر) السياسية والتجاذبات في العلاقات بين الدول الأعضاء.
الأمر الآخر هو عدم تعاون الإعلام - بشقية العام والخاص - مع طروحات العمل المشترك، فهل رأيتم أو سمعتم برنامجا مشتركا منذ أكثر من عشر سنوات!؟ وهذا يقودنا إلى قضية «السيادة» التي تتمسك بها الدول، وتنسحب على جميع مجالات الحياة!.
وفروا المادة الصحيحة ذات الدلالة، والمقابلة المقنعة، والبيانات والإحصائيات للإعلام، فستجدون اهتماما إعلاميا!. ولكن في الوقت ذاته، فإن على الإعلام الخليجي أن يتمسك بالمهنية، وأن ينقل الواقع، ولا يروج لقرارات ميتة في الأدراج.
* كاتب واكاديمي قطري