طارق الشناوي
ناقد سينمائي، وكاتب صحافي، وأستاذ مادة النقد بكلية الإعلام في جامعة القاهرة. أصدر نحو 30 كتاباً في السينما والغناء، ورأس وشارك في لجان تحكيم العديد من المهرجانات السينمائية الدولية. حصل على العديد من التكريمات، وقدم أكثر من برنامج في الفضائيات.
TT

زويل وأم كلثوم و«الفيمتو ثانية»!

كل من اقترب من د. أحمد زويل منذ أن كان طفلاً في مطلع الخمسينات، يعرف كم أحبّ هذا العالم الكبير صوت أم كلثوم، منذ أن تفتحت أذنه على صوت المذياع، كانت أم كلثوم هي الونيس عن طريق الحفلات الإذاعية الشهيرة التي كانت سهرة كل العرب قبل أكثر من 60 عامًا، «ثومة» أيضًا كانت المكافأة التي يحصل عليها إذا أجاد في الامتحان، روى زويل في أكثر من لقاء أنه كان عندما يأتي للقاهرة من مدينة دمنهور، يحرص وهو طالب على أن يجلس في مقهى شهير في وسط المدينة يذيع دائمًا تسجيلات لحفلات أم كلثوم، وكان خاله يمنحه مكافأة إذا تفوق في الدراسة، وهي تذكرة الذهاب لحفل أم كلثوم، وروت لي الإذاعية آمال فهمي مدّ الله في عمرها أنها أول من قدم للرأي العام د. زويل قبل حصوله على نوبل، في برنامجها الشهير «على الناصية» الذي ينتهي عادة بطلب أغنية، وكانت أم كلثوم هي دائمًا الاختيار الوحيد، وفي أميركا يضع على مكتبه أشرطتها وعلى الجدران صورتها.
ملمح الموسيقى، وخصوصًا لأم كلثوم، لم يفارقه، بل ازداد تعلقًا وشغفًا به مع مرور الأيام، وهكذا في دار الأوبرا المصرية، ظل على مدى عدة سنوات عندما تستدعيه وزارة الثقافة لإلقاء محاضرة ينهيها بتقديم أصوات غنائية كلثومية الطابع، ويمنحها جوائز مادية.
ما الذي يجمع بين العلم والموسيقى؟ في مسرحية «يوليوس قيصر» لويليام شكسبير عبارة موحية: «احذر من كاسيوس. إنه لا يحب الموسيقى»، إنها الكلمة المفتاح لمعرفة «شفرة البشر»، حب الموسيقى بالتأكيد يحمل في أعماقه دلالة على أن صاحب هذه الشخصية لديه مشاعر مرهفة. قد تبدو للوهلة الأولى صرامة العلم تتعارض مع رحابة الفن، خصوصًا الموسيقى التي يصفها الفيلسوف الألماني شوبنهاور بأنها أرقى الفنون.
الموسيقى ليست بعيدة عن المفكرين والعلماء؛ كان عالم الذرة المصري العالمي الراحل د. مصطفى مشرفة يهوى العزف على البيانو والكمان، وكوّن جمعية من أهدافها وضع الموسيقى العربية في إطار البناء العلمي الغربي، كما أنه أنشأ لجنة لترجمة الأوبريتات الأجنبية للغة العربية، بل وألف كتابًا في الموسيقى، رغم أنه كان يُعد أحد عباقرة العالم في علم الطبيعة قبل 70 عامًا.
شيء من هذا تجده أيضًا مع الزعماء، كان الرئيس جمال عبد الناصر مثلا من عشاق أم كلثوم، وأثناء حصار فرقته العسكرية في «الفالوجا» أثناء حرب 1948، تواصلت الفرقة مع أم كلثوم باللاسلكي، وأقامت لهم بعد ذلك أم كلثوم حفلاً خاصًا في فيلتها، كان عبد الناصر وهو رئيس يحرص على الذهاب إلى حفلات أم كلثوم، ومن المعروف أنها عادة وفي وصلتها الثالثة، تتعمد أن تغني احتفاء به أغنيته المفضلة «أروح لمين»، أيضًا أنور السادات كلثومي النزعة، رغم أن أم كلثوم عانت في عهده بقدر من الجفاء بسبب الصراع بينها وبين السيدة جيهان السادات، إذ إن الأخيرة أنشأت دار «الوفاء والأمل»، ليسحب البساط من دار «أم كلثوم للخير»، أما حسني مبارك فلم يكن الغناء يشكل له أهمية، وإن كان هذا لم يمنعه من أن يكتب عام 2008 مقدمة كتاب بالفرنسية بعد ترجمته للعربية «أم كلثوم كوكب الشرق».
تظل لصوت أم كلثوم مساحة خاصة في القلوب، وكان العالم الكبير د. أحمد زويل أحد العشاق المتيمين بالست، فلم يُعوِّق أبحاثه في «الفيتمو ثانية» أن يردد مثلنا في لحظة نشوة: «الله ياست»!