عندما تم استئناف التجارة العالمية مع إيران في أعقاب رفع العقوبات الاقتصادية قبل عام، تدافع المستثمرون ليصبحوا أول من يقتحم آخر سوق مهمة تفتح أبوابها على العالم الخارجي. وقد وصف مسؤول تجاري بريطاني رفيع المستوى إيران، بأنها «أكبر سوق ناشئة منذ انهيار الاتحاد السوفياتي سابقًا»، حيث تعرض فرصة الوصول لكتلة سكانية شابة ومثقفة، واحتياطات نفطية وغازية هائلة، إضافة لصناعات ذات طاقات ضخمة وغير مستغلة. بدورها، عوّلت إيران كثيرًا على هذه التطورات المثيرة من ناحيتها، فأطلقت حملة ترويجية واسعة لاستقطاب المستثمرين، واستقبلت مختلف الوفود التجارية، وأوفدت وزير خارجيتها إلى كثير من المؤتمرات التجارية، وغيرها من المناسبات حول العالم.
على الرغم من كل ذلك، فإنه يتوجب على مديري الشركات الدولية، الذين تغريهم حملات إيران الترويجية، وقف تدفق الأموال إلى إيران، أو المخاطرة بضياع علاماتهم وأعمالهم التجارية.
لقد تعقبت منظمتنا الملاحقات التجارية العالمية بإيران، ونجحت في إقناع شركات دولية مشهورة بالعدول عن هذا النهج، وشاهدنا مظاهر الركض وراء الثراء، وكذلك الندم والتشاؤم الحكيم في بعض الأحيان.
في شهر مايو (أيار) الماضي، استضاف رئيس فنلندا، ساولي نينيستو، وزير خارجية إيران والوفد التجاري الكبير المرافق له، لكن سرعان ما لاح في الأفق تاريخ إيران السيئ، ففي العام الماضي فقط، تناقلت مواقع الإنترنت صور رافعات من صناعة شركة متمركزة في هلسنكي تدعى «كارجوتيك» تم استخدامها بحادثتي إعدام سجناء إيرانيين على الملأ، وعلى الفور أصبحت هذه الشركة رمزا لممارسات النظام الإيراني الوحشية ضد أبناء شعبه.
لقد قدمت هذه الزيارة مثالاً على الضرر في السمعة الذي قد يلحق بالشركات الأجنبية جراء دخول السوق الإيرانية. وقد تزداد هذه المخاطر سوءًا، فماذا لو استعاد المتشددون زمام الحكم أو تنصّلت إيران من تعهداتها بموجب الاتفاقية الشاملة للبرنامج النووي؟ قد يتم مجددا فرض عقوبات سريعة عليها، الأمر الذي من شأنه أن يعرّض المستثمر الأجنبي لأضرار وخسائر جسيمة.
بالنظر إلى تاريخ إيران الحافل بالخداع والتحايل بخصوص تعهداتها النووية الدولية من جهة، وتحذيرات الرئيس أوباما للنظام جرّاء «القيام بأعمال استفزازية متعددة» من جهة أخرى، فإن احتمالات إلغاء الصفقة أصبحت أكثر واقعية من كونها نظرية. خلال السنة التي أعقبت توقيع الاتفاق، عززت طهران من دعمها لكل من حركات «الجهاد الإسلامي» و«حماس» و«حزب الله». تذكروا ما قاله أمين عام «حزب الله» اللبناني، حسن نصر الله: «ميزانية (حزب الله) بالكامل يتم تمويلها من قبل إيران، دخله، مصاريفه، مأكله، مشربه، أسلحته وصواريخه جميعها من جمهورية إيران الإسلامية». وأجرت تجارب صواريخ باليستية في تحد لقرار الأمم المتحدة 2231، وزجت داخل السجون على الأقل بثلاثة من حملة الجنسيات الأجنبية بتهم تجسس ملفقة، وضاعفت من تدخلاتها في الصراعات الإقليمية بما فيها العراق وسوريا واليمن. نتيجة لذلك، تواجه الشركات الأجنبية العاملة بإيران حالة غموض وبيئة قانونية مائعة، الأمر الذي سيستمر إلى أن تبدي إيران التزاما صارما وطويل الأمد بشأن تعهداتها الدولية.
هنالك خطر مهم آخر يحدق بالمستثمرين والاستثمار بإيران، ألا وهو مؤسسة «الحرس الثوري الإيراني»، وهي منظمة إرهابية تخضع للعقوبات من قبل الولايات المتحدة والمجتمع الدولي، وينطبق الأمر كذلك على أذرعها المالية والاستثمارية الوهمية المتشعبة.
حسب وزارة الخزانة الأميركية، تعتبر مؤسسة «الحرس الثوري» أقوى لاعب اقتصادي في إيران، حيث تسيطر على الأقل على سدس الناتج المحلي الإجمالي للدولة. وقد بسطت هذه الجماعة نفوذها الاقتصادي خلال سنوات العقوبات، حينما كان العالم الخارجي في الظل.
النتيجة: أي شركة عالمية قد تدعم تعاملات إرهابية عن غير قصد، وذلك من خلال تعاقداتها مع «الحرس الثوري»، أو «فيلق القدس»، أو أي من شركات الواجهة، مما يجعلها تتكبد عقوبات وغرامات حسب القانون الأميركي. لقد تعهد القائم بأعمال وكيل وزير الخزانة الأميركي لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية، في خطابه في ديسمبر (كانون الأول) 2015، بمقاضاة أي شركة تتعاقد مع مؤسسة «الحرس الثوري».
كل شركة دولية تعمل في إيران قد تجد نفسها في وضع لا تحسد عليه. على سبيل المثال، انظروا ماذا حدث للشركة الإيطالية العالمية «فيات كرايسلر أوتوموبيلز»، حيث تشير التقارير إلى توقيع شراكة محتملة بينها وشركة «خودرو» الإيرانية لصناعة السيارات، تهدف لتصنيع سيارات في إيران لاستخدامها في الدول المجاورة. فإن شركة «خودرو» على علاقة وثيقة بـ«الحرس الثوري». كما أن أكبر حملة أسهم شركة «خودرو» هي منظمة التنمية وتطوير الصناعات الإيرانية، التي بنفسها تخضع لعقوبات بموجب الأمر التنفيذي الأميركي رقم 13599.
في ظل بقاء كثير من المستثمرين جانبًا، لم يصل بعد هذا الزخم من الصفقات الذي توقعه المراقبون. وقد بدا للعيان الشهر الماضي أن حملة إيران التسويقية تكللت بالنجاح، حيث أعلنت شركة «بوينغ» عما قد يكون أضخم صفقة منذ رفع العقوبات، غير أن هذه الصفقة لا تزال تواجه صعوبات جدّية، فعلى المفاوضين التأكد من أنهم لا يخالفون سياسة الحكومة الأميركية، كما أن مصارف التمويل العالمية العملاقة مثل «إتش إس بي سي» و«سوسيتيه جنرال» و«لويدز بنك»، أعربت عن تحفظها بخصوص منح تسهيلات تمويلية وائتمانية مرتبطة بإيران.
وفي حين أعلن وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف، مؤخرا، أن إيران تمنح «بيئة مستقرة، آمنة وصحية لمواطنينا وللزائرين ولشركائنا التجاريين»، تشير الحقائق إلى غير ذلك تماما، فالشركات العالمية لا تزال تواجه مخاطر حقيقية كبيرة وشائكة في إيران.
7:52 دقيقه
TT
عام على {النووي} والمخاطر قائمة!
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة