نبيل عمرو
كاتب وسياسي فلسطيني
TT

صناعة خيبات الأمل

كان أسبوعًا حافلاً بخيبات الأمل.
• تقرير الرباعية الدولية الذي رحب به الإسرائيليون جزئيًا، وأدانه الفلسطينيون كليًا.
• صدمة أهل غزة بحصتها شديدة التواضع في المصالحة التركية الإسرائيلية.
• استقبال نتنياهو في أفريقيا بعد أن طردت القارة السمراء إسرائيل، وأغلقت معظم أبوابها «سابقًا» في طريق عودتها.
خيبات الأمل المركزة في أسبوع واحد، هي نتاج لسوء قراءة القيادات للحقائق السياسية، واضطرار هذه القيادات إلى اختراع رهانات مبالغ فيها وإنجازات، لمجرد ملء الفراغ وتبرير البقاء، من دون الانتباه إلى أن هذا النهج الذي صار من ثوابت السياسة، لا بد أن يصدم أخيرا بالحقيقة التي غالبا ما تكون مرة، ليبدو الفشل مدويًا وخيبة الأمل كارثية ومستمرة.
ولنأخذ مثلا كيف كان التمهيد الإعلامي لتقرير الرباعية الدولية، وكيف صوّر قبل صدوره بأشهر على أنه سيكرّس عزلة إسرائيل وسيمنح الفلسطينيين نقاطًا في عملهم على الصعيد الدولي، ولقد نام الفلسطينيون ومن معهم على حرير الاستنتاج غير الموضوعي بأن يكون التقرير في صالحهم، بينما عمل الإسرائيليون ومن معهم ليل نهار لتفريغ التقرير من محتواه، ليصدر أخيرًا كما أحبته إسرائيل باهتًا ضعيفًا لا يسمن ولا يغني من جوع، فكانت خيبة الأمل كبيرة حيث الأمل ذاته كان مفتعلا.
أمّا أهل غزة، الذين قيل لهم وعلى مدى 6 سنوات إن تركيا هي من يملك الأوراق القوية لرفع الحصار الخانق عنهم، لم يدقق أصحاب هذا القول في أمور كثيرة، منها مثلا أن الأوراق التركية القوية تصلح لترتيب علاقة الدولة التركية مع إسرائيل، ومن الوهم افتراض أن هذه الأوراق ستستخدم في المساومات الجدية والأخيرة لمصلحة غزة كما يتخيل أهلها، لهذا عندما تمخضت صفقة المصالحة الكبرى عن باخرة مساعدات تعاظمت خيبة الأمل، وسرى شعور بين الناس بأن قضيتهم خرجت من نطاق السياسة لتدخل مجال العمل الخيري، وهذه هي أكبر وأعمق انتكاسة للغلو في التوقعات والمبالغة في الحسابات الرغائبية على حساب الواقعية.
وعلى صعيد القارة السمراء أفريقيا، التي وفرت للفلسطينيين عمقًا وظهيرًا سياسيا يرقى إلى مستوى الاستراتيجية، وبعد أن حصلوا على إجماع بالانضمام كأعضاء مراقبين في منظمة الوحدة الأفريقية، تمكنوا من طرد الدولة العبرية من معظم دول القارة، كل ذلك صار من الماضي، وها هي إسرائيل التي يقودها نظام يميني استيطاني، تعود إلى أفريقيا من باب احتفالي عريض، ذلك أن مشاركة 7 زعماء أفارقة في الحفاوة بنتنياهو على أرض مطار عنتيبي، والتسابق على كسب ودّه مع زيارات افتتاحية لعدد من الدول الأفريقية المهمة، مع تطلع من نتنياهو بأن تحظى إسرائيل بعضوية مراقب في منظمة الوحدة الأفريقية، كل ذلك جاء في زمن ادعاء عزل إسرائيل دون تدقيق في من عزل ومن عُزل.
إننا بحاجة إلى الاعتراف بأبسط البديهيات في مجال السياسة، وهي اعتماد الحسابات التي يرشدها وعينا لمصالح الدول، وكيفية إدارة هذه المصالح، وحين يعول أي طرف على الاستنتاجات المبنية على اعتبارات أخلاقية وحقوقية، فساعتئذ لا بد أن يصاب بخيبة أمل، أي أن يرى نفسه قابعا في واد والعالم في وادٍ آخر، ولن يبقى له إلا الشكوى والتذكير بالأيام الخوالي، وهذا في السياسة لا ينفع.