طارق الشناوي
ناقد سينمائي، وكاتب صحافي، وأستاذ مادة النقد بكلية الإعلام في جامعة القاهرة. أصدر نحو 30 كتاباً في السينما والغناء، ورأس وشارك في لجان تحكيم العديد من المهرجانات السينمائية الدولية. حصل على العديد من التكريمات، وقدم أكثر من برنامج في الفضائيات.
TT

الفريق القومي

مع الأسف، أشياء كثيرة كان من المفترض أن يتجمع حولها المصريون باتت تؤدي بهم إلى مزيد من الفرقة والانقسام، حتى الأغنية التي كان كل المصريين يرددونها معا، أصبحت أداة للتناحر. يكفي أن ترصد كمّ الصراعات التي تنشب في الشارع حول أغنية «تسلم الأيادي»، التي أدت أحيانا إلى جرائم قتل متبادلة.
الصراع صار ممتدا بقوة خارج حدود مصر، وفي كل المجالات؛ قبل أيام تابعنا نور الشريف في باريس وهو يُهدد بالسحل من قبل بعض المنتمين إلى «الإخوان»، حتى لا يلقي كلمته في افتتاح ندوة حملت عنوان «وجه مصر المشرق»، وقبلها الكاتب الروائي علاء الأسواني، مُنِع من استكمال ندوته أيضا في عاصمة النور.
الأسبوع الماضي، عشنا تلك المهزلة الكروية التي لحقت بالفرق الوطني المصري حين مني هزيمة قاسية، يقول خبراء الكرة إنها لم تحدث للمنتخب المصري إلا قبل 90 عاما، على يد فريق إيطالي.
الهزيمة الكبرى لم تكن في الأهداف الستة التي دخلت الشباك المصرية، ولكن في تداعيات ما حدث أثناء المباراة وبعدها، حيث هلل المنتمون إلى «الإخوان» مع كل هدف يهز المرمى ويطيح بحلم المصريين للوصول إلى المونديال؛ هل هم حقا يكرهون وطنهم إلى هذا الحد؟ بالتأكيد لا، ولكن كل شيء في حياتنا منذ ثورات الربيع العربي صار مغموسا بالسياسة، بل إن البعض أصبح يراهن مسبقا على أن الفنان عليه أن يختار موقفه الفني تبعا للتوجه السياسي، فهو في نظر البعض إذا أحيا حفلا مثلا في الدوحة، فهذا يعني أنه ضد ثورة 30 يونيو (حزيران)، لماذا صرنا متورطين سياسيا إلى هذا الحد؟!
هذا التداخل بين السياسة وأشياء أخرى، مثل الفن والثقافة والرياضة ليس وليد هذه الأيام، تعودنا عندما يكسب الفريق الكروي أن يتم إهداء النصر إلى الرئيس. حدث ذلك كثيرا مع حسني مبارك، وكان الفريق يعتبر أن الانتصار هو رد فعل لرعايته واتصاله التليفوني قبل دقائق من المباراة.
لو كسب الفريق يصبح حضور الرئيس فأل خير، وفي حالة الهزيمة يتحمل المدير الفني والمدرب واللاعبون وحدهم لعنات الهزيمة. حسني مبارك كان أكثر الرؤساء العرب حبا للكرة، لقد استقبل قبل سنوات في المطار المنتخب المصري، عندما كسب كأس أفريقيا، ولم يفعلها من قبل لا مع أحمد زويل أو محمد البرادعي، عندما حصلا على «نوبل».
قطع الخط الفاصل بين تلك الدوائر ربما لعب دورا فيما حدث مؤخرا، وصارت الهزيمة الكروية فرصة للتلاسن وتبادل الاتهامات، واعتبرها «الإخوان» رسالة من السماء، بل إن الصراع شهد في الحقيقة منحى آخر، عندما بث التلفزيون المصري المباراة على قنواته الرسمية، على الرغم من أنها من الناحية الشرعية حصريا فقط من حق قناة «الجزيرة»، والغريب أن المسؤولين قالوا إنهم يردون بهذا على تجاوزات «الجزيرة» تجاه ثورة 30 يونيو.
هل الساحرة المستديرة تتحمل كل هذه الصراعات؟ من الذي استغل مباراة كرة في تصفية حسابات نزاع سياسي، يبدو أننا أصبحنا خاضعين لنظرية نيوتن: «لكل فعل رد فعل مساوٍ له في القوة ومضاد له في الاتجاه». شاهدت بعد المباراة مباشرة اثنين من قدامى لاعبي المنتخب القومي، وهما يؤكدان أن تعويض الهزيمة في مباراة العودة بين مصر وغانا ممكن يوم 19 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، لكنه مرهون فقط بأن يحضر الفريق أول عبد الفتاح السيسي المباراة، وبمجرد أن يتطلع إليه اللاعبون في المدرجات، من الممكن في دقائق أن يحرزوا خمسة أهداف نظيفة تكفي لتحقيق حلم المصريين في الوصول لكأس العالم، على الرغم من أنف «الإخوان»!!