في الساعات الأولى التي أعقبت الاقتراع البريطاني على الانفصال عن الاتحاد الأوروبي نشرت صفحة «غوغل» بريطانيا على موقع «تويتر» تعليقًا مفاده أن سؤال «ما هو الاتحاد الأوروبي» كان الثاني ضمن الأكثر تداولاً على «غوغل». يكشف هذا المعطى الصغير أن هناك صدمة ما أصابت شريحة من المقترعين البريطانيين حيال ما ارتكبوه. صحيح أن الشاشات البريطانية أبرزت أولئك المحتفين بنتيجة الاقتراع ومنهم من عبر صراحة أنه هدف من وراء التصويت بالانسحاب لوقف تدفق المهاجرين، خصوصًا من دول الشرق الأوسط، لكننا شاهدنا أيضًا صدمة مقابلة ممن قال إن حجم الاهتزازات الاقتصادية والسياسية التي ظهرت مباشرة عقب نتيجة التصويت أشعرتهم بالرغبة في التراجع عما اقترفوه. في الحالتين لا يبدو أن أيًا من فريقي التصويت سواء المتحمس أو الرافض كان مقدرًا لحجم التداعيات والانعكاسات على مستقبل العالم بأسره وليس فقط بريطانيا حيال تصويت من هذا النوع.
والشعور بالخوف والصدمة لم يقتصر على الدول الأوروبية والغربية، فقد ظهرت ردود أفعال متباينة عربيًا، وسريعًا ما تفاعل الرأي العام السوري والعراقي والمصري واللبناني والعربي عمومًا، بحيث بدت منصات التواصل الاجتماعي ساحات مشتعلة ما بين مشاعر بالغيرة من القدرة على الاقتراع وتحديد المصير، وبالمقابل هناك مشاعر قلق وخوف من المجهول، خصوصًا لدى الطامحين في الهرب من الواقع المعقد والمأزوم في بلده إلى أوروبا. واللافت في التفاعل العربي مع الحدث كان ارتفاع أصوات ناقدة ومحتجة على شدة الانشغال المحلي بالحدث البريطاني، وفي هذا شيء من القصور حيال تقدير حجم ما حصل وانعكاساته المباشرة علينا. فهذا التفاعل والانشغال بما حصل في بريطانيا، قد يكون مؤشرًا لبداية فهم تأثير حدث من هذا النوع على قضايانا وتأثيرها أيضًا على المسلمين والعرب في الغرب.
الحدث البريطاني له علاقة عضوية بنا، فالقرار البريطاني بالانكفاء عن أوروبا هو ضمنًا قرار بالانكفاء عنا، وما الابتعاد عن أوروبا إلا ابتعاد عن فكرة أن هذه القارة يمكن أن تكون جزءًا من العالم الذي نحن نعيش فيه. وها هي الحماسة للانفصال والابتعاد بدأت تظهر مع بروز طموحات كثير من قادة اليمين الأوروبي بحال يشبه ما حصل مع بريطانيا، وهذا تيار يتشارك في عناوين عدة، خصوصًا تلك المتعلقة بالمهاجرين وكيفية تعاطي أوروبا معهم. فقد كنا قبلاً أمام نموذج المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل المرحب باللاجئين، ونموذج الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند أكثر المتحمسين للانخراط الأوروبي في عملية التغيير بالمنطقة عبر مساعدة السوريين على إسقاط بشار الأسد. اليوم، أتت الـ«لا» البريطانية جوابًا على هذا التوجه، وهي «لا» ساهمنا نحن فيها عبر عجزنا عن ملاقاة الانفتاح الأوروبي على قضايانا بالاقتراب من الحساسية الأوروبية حيال عدد من معضلاتنا وعلى رأسها الإرهاب.
الاقتراع البريطاني النزق سبق أن أصبنا به في محطات انتخابية وغير انتخابية. سبق أن اقترعت تونس لحزب النهضة، واقترعت مصر للإخوان المسلمين، وكثيرًا ما انسقنا وراء قضايا خاسرة وكان دافعنا شحنات عاطفية سلبية قوامها العصبية والخوف.
ما يحصل من نقاشات وتفاعلات مشتتة عبر تعليقات وعبر مواقع التواصل العربية لن يثمر بالضرورة عبرًا مما حصل في بريطانيا، لكننا لن نكف عن أن نأمل بذلك، خصوصًا لجهة السلبية المطلقة التي يمكن لمشاعر الخوف والكراهية أن تثمرها إذا ما تحولت إلى اقتراع مصيري.
8:2 دقيقه
TT
الطلاق البريطاني الأوروبي يطالنا أيضًا
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة