د. أحمد عبد الملك
كاتب واكاديمي قطري
TT

«الآسيان» وسباق الزمن

في يناير (كانون الثاني) عام 1967 أوجدت رابطة دول جنوب شرقي آسيا (الآسيان) بواسطة كل من تايلاند وإندونيسيا والفلبين وماليزيا وسنغافورة، ثم التحقت بها دول أخرى مثل بروناي وفيتنام ولاوس وميانمار وكمبوديا. وقيل إن الولايات المتحدة مارست ضغطا على هذه الدول من أجل مواجهة المد الشيوعي خلال الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي. ولقد ارتكز عمل الرابطة على أربعة مبادئ هي:
1- العمل بشكل جماعي ومتساو على تنمية اقتصادية واجتماعية وثقافية لشعوب دول المجموعة.
2- الحرص على السلم والاستقرار الدائم في المنطقة بالتشبث بمبادئ الأمم المتحدة وبقيم دولة الحق والقانون والعدالة.
3- السعي إلى تنمية التعاون في الميادين الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتقنية والعلمية والإدارية.
4- دعوة باقي دول المنطقة إلى الانخراط في الرابطة بشرط احترام مبادئ وأهداف «آسيان» (www.Imomtaz.com).
ورغم التفاوت في دخول الدول الأعضاء وتعرضها لأزمات اقتصادية موجعة في أعوام 1997-1998 و1998-2000، فإن الدول الكبرى في المجموعة تجاوزت الأزمة، وأزالت الحواجز الجمركية بينها ووطدت تبادلاتها التجارية، وخططت لقيام منطقة حرة مع اليابان والصين وكوريا الجنوبية (Google Drive).
ولقد لخص فيلسوف ماليزيا (د. محاضر محمد) الخطط التي اعتمدت عليها بلاده للخروج من آثار الاحتلال الأجنبي وتدهور الاقتصاد وهوي العملة الماليزية إلى أدنى مستوياتها، مما أثر على جميع مناحي الحياة.. لخصها في الرؤية 2020 التي جرى الإعلان عنها عام 1990، حيث ستصبح ماليزيا عندئذ بلدا متقدما صناعيا بصورة كاملة! وبعيدا عن بناء الطرق الضخمة والعصرية، فإن الرؤية قد حددت تسعة تحديات لا بد أن تواجهها ماليزيا، وبدأتها ببناء دولة ذات مصير مشترك تتحقق بالانسجام والشراكة، وإقامة نظام ديمقراطي يعتمد التراضي مع الاحتفاظ بالأخلاق الفاضلة، ويتحلى المواطنون بالقيم الروحية والدينية القوية ويتشربون المعايير الأخلاقية السامية. وتنتهي التحديات التسعة بإقامة مجتمع مزدهر يكون الاقتصاد فيه قادرا على المنافسة بصورة كاملة (د. محاضر محمد، «المستقبل المسروق.. الهجمة على النمور الآسيوية»، الشاهد الدولي للخدمات الإعلامية).
والذي يقرأ بقية حديث رئيس الوزراء الماليزي الأسبق د. محاضر محمد، يلاحظ أن دور التنمية لم يتغول على كينونة الإنسان، بل إشراكه في تلك التنمية بالتأكيد على القيم العليا للكرامة الإنسانية، وبحقوق المواطن كشريك في تنمية بلاده، في ظل حكم ديمقراطي وأخلاق فاضلة، رغم تعدد الأصول العرقية وتنوع الأديان داخل المجتمع الماليزي، تماما كما هو الحال مع الدول الأخرى.
كما أن المجموعة التفتت إلى أهم عنصر يضمن التنمية الشاملة، وهو اعتماد السلم والاستقرار أساسا لتلك التنمية، والالتزام بمبادئ الأمم المتحدة وإقامة دولة الحق والعدل والقانون، وفي مناخ كهذا تتوجه الجهود إلى التنمية الحقيقية بعيدا عن «رهانات» أو «هواجس» الحروب وتنغيص حياة الشعوب.
كما لم تفت الرؤية الشأن الثقافي الذي يسير جنبا إلى جنب مع التطور الاقتصادي، وعماد ذلك الأخلاق الفاضلة، لذلك يلاحظ الزائر لهذه البلدان الإصرار والدقة والتفاني في إنجاز الأعمال، والقدرة الخلاقة للإنسان في تطوير نفسه ضمن نسق اجتماعي وقيمي، بعيدا عن «عصا» الدولة أو فرماناتها! وهذا ما أطلق عليه «الوحدة السوسيوثقافية»، على الرغم من التعدد والتنوع الثقافي لمكونات المجتمع.
ولقد تحقق لبعض دول الرابطة الخطط الرامية إلى محاربة الفقر والبطالة، وارتفعت مؤشرات التنمية وتبادلاتها الخارجية، إضافة إلى جلب الاستثمارات الأجنبية إلى أراضيها.
وتسعى دول الرابطة إلى تحقيق المجموعة الاقتصادية الكبرى عام 2020 مع كل من اليابان والصين وكوريا الجنوبية.
تواجه دول الرابطة اليوم تحديا اقتصاديا مهما من جانب الصين والهند واليابان والكوريتين وتايوان وأستراليا وروسيا، كما تواجه التفاوت في نسب معدلات الفقر (كما هو الحال في كمبوديا التي تصل نسبة الفقر فيها إلى أدنى الدرجات في العالم) (www.madariss.Fr). وكذلك سيطرة الشركات الكبرى من أميركا واليابان على الاستثمارات الضخمة، تماما كما هو الحال مع الكوارث الطبيعية التي ما انفكت تواجه المنطقة. ورغم هذه التحديات فإن الرابطة تسير بخطى وئيدة نحو الإنتاج ورفع مستوى المعيشة والحياة الاقتصادية وتحقيق معدلات نمو قياسية في التطور الاجتماعي والتكنولوجي والعلمي.
إن الدول العربية مطالبة بأن تدرس هذا التجمع برؤية عصرية، أو حتى الظاهرة الماليزية، لما لها من دور في تحقيق الرفاهية للشعب، واعتمادها على نفسها - رغم محاربة صندوق النقد الدولي لها - كي تحقق التطور على كافة الصعد في مناخ من العدالة والكرامة والديمقراطية، ومعظم هذه القيم مفتقدة في كثير من بلدان العالم العربي، التي اعتمدت على «الاستهلاكية» في تبديد الموجود، وعدم البحث عن بدائل لتعويض المفقود. لذلك لم تتطور البنى التحتية في أغلب البلدان العربية، ولم تتحقق التنمية، رغم الاستقرار السياسي طوال أربعين عاما لدى بعض الدول، وعدم تعرضها لكوارث طبيعية أو مضايقات من الجيران، والسبب كله يعود إلى تداخل السلطات، وإقامة الاقتصاد الريعي في أغلب الدول، ودوران المواطن في عجلة الدولة من دون خطط أو رؤى، ذلك أن هذه الدول «مأخوذة» أو «مشغولة» بالهم الأكبر، وهو الأمن! لذلك ترهن المقدرات والأوقات والجهود في تعزيز الأمن من دون التفكير في الأجيال القادمة، وحقها في أخذ نصيبها من التنمية يوم أن وجد القرش الأبيض!
* أكاديمي وإعلامي قطري