بول كروغمان
اقتصادي اميركي
TT

الشخصية التي التهمت الأرض

أعلنت الذراع السياسية لمجلس الدفاع عن الموارد الطبيعية، وهو واحد من أكثر جماعات حماية البيئة تأثيرًا في أميركا، عن أول مواقفها على الإطلاق من دعم المرشحين للرئاسة الأميركية، فألقت بتأييدها خلف هيلاري كلينتون. وكان معنى هذا استباق حسم فوزها ببطاقة الترشيح عن الحزب الديمقراطي بنحو أسبوع، لكن من الواضح أن «صندوق العمل» التابع لمجلس الدفاع عن الموارد الطبيعية يتوق إلى الدخول في مضمار الانتخابات العامة.
وليس من الصعب معرفة السبب: عند هذه اللحظة تهدد شخصية دونالد ترامب الكوكب بأكمله. ونحن في لحظة دقيقة عندما يتعلق الأمر بالبيئة، لحظة من الخوف والأمل في آن معا. إن التوقعات بالنسبة إلى التغير المناخي في حال استمرت السياسات الحالية تبدو في أسوأ ما يكون، لكن فرص التحول بعيدًا عن مسار الدمار لم تكن أبدًا أفضل مما هي تبدو الآن. وكل شيء يعتمد على من سينتهي به المطاف إلى الجلوس في البيت الأبيض خلال السنوات القليلة المقبلة.
وفي شأن المناخ: هل تتذكر مزاعم منكري التغير المناخي بأن الاحتباس الحراري توقف، وأن درجات الحرارة لم ترتفع منذ عام 1998؟ لقد كان هذا الرأي مجرد كلام فارغ، لكنه بأي حال من الأحوال نسف نسفًا عن طريق سلسلة من درجات الحرارة القياسية الجديدة وازدياد المؤشرات الأخرى التي، عند النظر إليها في المجمل، تحكي قصة مروعة عن كارثة محدقة.
ومع هذا، ففي الوقت نفسه، ينسف التقدم التكنولوجي السريع في مجال الطاقة المتجددة، أو ربما ينبغي لي أن أقول إنه يمعن في نسف، مقولة حجة أخرى سيئة ضد التحرك من أجل المناخ، وهي ذلك الزعم بأنه لا يمكن عمل أي شيء حيال انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، من دون التسبب في شلل اقتصادي. إن تكلفة الطاقة الشمسية وطاقة الرياح تستمر في الانخفاض عامًا بعد عام، كما أن إنتاجها يتنامى سريعًا حتى من دون الكثير من الحوافز للتحول عن استخدام الوقود الأحفوري. وفر هذه الحوافز، وسنكون قريبين جدا من ثورة في الطاقة.
إذن، نحن في وضع بحيث تلوح أشياء مروعة في الأفق، لكن يمكن تجنبها بخطوات سياسية بسيطة جدًا وفي المتناول. لعلك تريد ثورة، لكننا لسنا في حاجة إلى ثورة لإنقاذ الكوكب. إن كل ما يتطلبه الأمر في الوقت الراهن هو أن تنفذ أميركا خطة إدارة أوباما للطاقة النظيفة وغيرها من التحركات، التي لا تستلزم حتى تشريعًا جديدًا، بل مجرد محكمة عليا لا تقف في طريق هذه التحركات، للسماح للولايات المتحدة بمواصلة الدور الذي اضطلعت به خلال اتفاق باريس العام الماضي، بقيادة العالم ككل تجاه عمليات تقليل حادة للانبعاثات.
لكن ما الذي سيحدث لو كان الرئيس الجديد رجلاً لا يؤمن بعلم المناخ، أو في واقع الحال، لا يؤمن بأي نوع من الحقائق غير المناسبة؟
إن عداء الجمهوريين لعلم المناخ والتحرك المتصل به مرده عادة إلى الآيديولوجيا وقوة المصالح الخاصة، وكلتاهما تلعب من دون شك أدوارًا مهمة. يفضل غلاة مؤيدي السوق الحرة إنكار العلم على الاعتراف بأن هناك على الإطلاق حالات يكون عندها التحرك الحكومي ضروريًا. وفي الوقت نفسه فإن شراء السياسيين يعد استثمارًا جيدًا جدًا بالنسبة إلى أباطرة الوقود الأحفوري من أمثال الإخوة كوش.
لكني لطالما كان يداخلني إحساس بأن هنالك عاملاً ثالثًا، وهو عامل سيكولوجي بالأساس. هناك بعض الرجال، هم رجال دائمًا تقريبًا، ممن أصبحوا يتميزون من الغيظ حيال أي اقتراح لرؤية أن عليهم أن يتخلوا عن شيء يريدونه من أجل الصالح العام. وفي كثير من الأحيان يكون الغضب غير متناسب مع حجم التضحية: على سبيل المثال، المحافظون البارزون الذين يقترحون العنف ضد مسؤولي الحكومة لأنهم لا يحبذون أداء المنظفات الخالية من الفوسفات. لكن غضب الملوث ليس له صلة بالتفكير العقلاني.
وهو ما يقودنا إلى المرشح الجمهوري المفترض، الذي يجسد الهوية الجمهورية المحافظة في أكثر أشكالها تجردًا، وهو شكل مجرد من القناع الذي يغطي به الساسة عادة تحيزهم والذي يجعله يبدو جديرًا بالاحترام.
لا شك أن دونالد ترامب يكره حماية البيئة، وهو أمر يعود جزئيًا لأسباب معتادة. لكن هناك طبقة إضافية من السم في مواقفه المؤيدة للتلوث.
على سبيل المثال، أدان الرجل مرارًا القيود الهادفة إلى حماية طبقة الأوزون، وهي واحدة من قصص النجاح العظيمة للسياسة البيئية العالمية؛ لأن هذه القيود، بحسب زعمه، هي السبب في أن مثبت الشعر الذي يستخدمه لم يعد فاعلاً كما كان. وهذا لا ينطلي عليّ.
كما أنه خصم لدود لطاقة الرياح. يحب ترامب أن يتحدث عن كيف أن توربينات الرياح تقتل الطيور، وهو ما يحدث أحيانًا، لكنها لا تقتل الطيور أكثر من المباني الشاهقة؛ لكن يبدو أن دافعه الحقيقي هو الغضب تجاه المحاولات غير الناجحة لعرقلة مزرعة رياح قرب أحد ملاعب الغولف البريطانية التي يمتلكها.
إذا اعترضت الأدلة بطريق أنانيته، لا يهم. طمأن ترامب مستمعيه مؤخرًا بأنه ليس هناك جفاف في كاليفورنيا، وإنما كل ما هنالك أن المسؤولين رفضوا فتح المياه.
أعرف إلى أي مدى يبدو هذا سخيفًا. هل يصح أن يكون الكوكب مهددًا فعلاً لأن رجلاً غنيًا قلق على تسريحة شعره؟ لكن الجمهوريين يتوحدون خلف هذا الرجل كما لو كان مرشحًا طبيعيًا. وإذا لم يحتشد الديمقراطيون وراء مرشحهم بالطريقة نفسها، فمن الممكن أن يصل هذا الرجل إلى البيت الأبيض.

*خدمة «نيويورك تايمز»