طارق الشناوي
ناقد سينمائي، وكاتب صحافي، وأستاذ مادة النقد بكلية الإعلام في جامعة القاهرة. أصدر نحو 30 كتاباً في السينما والغناء، ورأس وشارك في لجان تحكيم العديد من المهرجانات السينمائية الدولية. حصل على العديد من التكريمات، وقدم أكثر من برنامج في الفضائيات.
TT

لا يشتعل ويساعد على الاشتعال

هل راجعت بنفسك عدد مرات المشاهدة للفعل المشين الذي أقدم عليه معلقان رياضيان بمباركة وتشجيع مقدم البرنامج، الذي ظل حريصًا طوال زمن الحلقة على أن يضع البنزين بجوار الكبريت ممسكا بـ«الشطاطة»، فهو يُصدر للجمهور الصورة المثالية لمقدم البرنامج المحايد، الذي يقف على مسافة واحدة بين كل المتصارعين، إلا أنه يعمل كل ما في وسعه لكي يتحول برنامجه إلى حرائق لا يتوقف لهيبها، فهو أقرب لغاز الأكسجين لا يشتعل ولكنه يؤدي دور المحفز للاشتعال، يرتدي في تلك اللحظة برقع الهدوء والبراءة والحياد، حجته أنه بكل الأسلحة الممكنة وغير الممكنة يعمل على كشف المستور وفضح المسكوت عنه، إلا أنك تكتشف أنه كثيرًا ما يجور على الحقيقة، وأن ما يتبقى هو صخب ضيوفه وحرص أغلبهم على أن يبدو أمام الرأي العام أنه صاحب الحق ولا يجد من وسيلة سوى أن يعلو صوته أكثر، ويتجاوز في استخدام الألفاظ أكثر وأكثر، المشاهد يلعب دورًا تحفيزيًا ربما دون أن يقصد، أغلبنا بالمناسبة نمارس هذا الدور، راجعوا فقط عدد مرات المشاهدة على «اليوتيوب» لتتأكدوا كم ساهمنا جميعًا في ذيوع تلك البرامج، كثافة المشاهدة هي تحديدًا ما تمنح أصحابها قوة، ألم تسأل نفسك على مدى 7 سنوات كيف أن رامز جلال يتلقى كمًا لا نهائي من اللعنات والشجب، ورغم ذلك أغلبنا يحرص على أن يدير إليه المؤشر في برنامجه الرمضاني الذي يبدأ بثه مساء اليوم، ورغم أن صوت «تيت» صار مرادفًا له، وتحول هذا الصوت في كثير من الأحيان إلى لازمة دائمة، الجمهور يتعامل مع الأمر بقدر من الاهتمام المشوب بالتواطؤ، فهو يستنكر ما حدث على الشاشة ولكنه يحدد مواعيده الرمضانية بناء على توقيت عرض البرنامج، ولا أستبعد أن يخرج علينا بعد ساعات قليلة - كما حدث في العام الماضي، نقيب الممثلين في مصر أشرف زكي وهو يبرئ ساحة النقابة مما حدث، مؤكدًا على عقاب الفنان المسيء، ولا ندري كيف؟ فهل يعاقب أغلب نجومه، لقد كتب قبل شهرين محمد هنيدي على موقعه ساخرًا «أنا رايح لتصوير برنامج مقالب ادعوا لي بالخضة»، هل رأيتم صراحة أكثر من ذلك، كل شيء متفق عليه، وبعد ذلك لا يزال البعض يحاول أن يُقنع نفسه بأنه مقلب، لا تصدقوا ما يعلنه البعض بأنهم ورطوه أو ضحكوا عليه، حيث إنه بعد أن يقبض القسط الأخير من أجره، يوقع بالموافقة على العرض.
رمضان يبدو فُرصة عند البعض لكي يكرر الطلب بضرورة تنفيذ ميثاق الشرف الإعلامي أو إعادته من غُرفة العناية المركزة، والحقيقة أنه مع تعدد النوافذ، فلا توجد دولة في العالم تملك كل المفاتيح، صار الجمهور مع الانتشار الفضائي وسطوة قنوات التواصل الاجتماعي، هو المسؤول بطريقة غير مباشرة عما يراه على الشاشة، وهكذا شاهدنا المذيعة التي تنتهك خصوصية فتاة في أحد البرامج، وبعد الغضب الجماهيري العارم والذي أدى لإبعادها، تعود إلى الشاشة معززة مكرمة، لأن برنامجها به فقرة للمساعدات الإنسانية، فلقد كانت هي طوق النجاة، بحجة أنها في النهاية تمد يد العون للجمهور، فكان هذا هو الغطاء الشرعي لها، ولم تكتف بهذا القدر، بل وقفت مجددًا على خشبة المسرح وأمام كاميرات التلفزيون كممثلة.
لا شيء من الممكن أن نراه إلا إذا كنا شاركنا فيه باللعب أو بالصمت، كلنا بشكل أو بآخر، لا نشتعل ولكننا ربما دون أن ندري نساعد على الاشتعال!