مارك هرتسغارد
TT

«قانون باتريوت» وعودة سنودن الممكنة

هل ينبغي أن يتحول الإبلاغ عن جريمة ما إلى جريمة في حد ذاته؟ يبدو أن الكثير من كبار المسؤولين في واشنطن يعتقدون ذلك، على الأقل في ما يتعلق بإدوارد سنودين.
في السادس من يونيو (حزيران) المقبل تحل الذكرى الثالثة لنشر صحيفة الـ«غارديان» الوثائق بالغة السرية التي قدمها إليها سنودين، التي كشفت أن وكالة الأمن الوطني كانت تجمع تسجيلات هاتفية لعشرات الملايين من الأميركيين.
وانطلاقًا من شعورهم بالغضب الشديد إزاء هذا العدوان على التعديل الرابع الذي يحظر إجراءات التفتيش والمصادرة غير المعقولة، وقف مسؤولو «حزب الشاي» من الجمهوريين، والديمقراطيون التقدميون صفًا واحدًا للتصدي لمحاولة إعادة التصريح ببنود المراقبة الواردة في «قانون باتريوت» الأميركي، العام الماضي. وبالفعل، لم تجر الموافقة على إعادة التصريح بهذه البنود، إلا بعد إلزام وكالة الأمن الوطني بالحصول على تصاريح لتفحص مثل هذه التسجيلات.
ومع هذا، نجد أن سنودين، الشخص الذي أطلق التحذيرات التي تمخضت في نهاية الأمر عن هذه الإصلاحات عبر ما كشفه من وثائق، يبقى شخصًا غير مرحب به في واشنطن. والمثير أن الجمهوريين والديمقراطيين على حد سواء نددوا به باعتباره خائنًا.
وبالمثل، اتخذ الرئيس أوباما ووزيرة خارجيته السابقة هيلاري كلينتون مواقف قاطعة تجاهه، فعلى سبيل المثال أكدت الأخيرة خلال مناظرة انتخابية بين المرشحين الديمقراطيين الطامحين للوصول للرئاسة، أن سنودين، المقيم حاليًا في روسيا، انتهك القانون عمدًا ولا ينبغي «السماح بعودته للوطن من دون مواجهته بعواقب ما فعل».
ومع هذا، يبدو أن توماس دريك وجون كرين يختلفان مع هذا الطرح. ويتضح هذا من المقابلات الصحافية التي أجريت معهما، التي كشف النقاب عنها مؤخرا، والتي يبدو منها أن ثقة كلينتون وأوباما بإجراءات الحماية التي يتمتع بها المبلغون عن الجرائم، لا أساس لها، حيث سلط الاثنان الضوء على قضية سنودين من زاوية مغايرة.
يذكر أن دريك كان مسؤولاً رفيع المستوى سابقًا لدى وكالة الأمن الوطني، وقد سبق أن اشتكى منذ 12 عامًا من نشاطات المراقبة من دون تصريح. وفي عام 2007 بعد سنوات من إبدائه مخاوفه حيال نشاطات المراقبة غير المصرح بها للمرة الأولى، شن عملاء تابعون لمكتب التحقيق الفيدرالي (إف بي آي) منزله، ملوحين بأيديهم بإذن تفتيش بزعم تورطه في «كشف غير قانوني عن معلومات سرية تتعلق بالدفاع الوطني». وبعد ذلك، أجبر دريك على الاستقالة، وأدين لـ10 اتهامات جنائية تدور حول «مخطط» مزعوم لـ«الاحتفاظ والكشف عن معلومات سرية» على نحو غير مناسب.
وفي نهاية الأمر، أقر باقترافه جنحة «لتجاوزه النطاق المسموح له به فيما يخص استخدام كومبيوتر حكومي» مقابل إسقاط الحكومة اتهامات أخرى. من جانبه، وجه القاضي الفيدرالي الذي تولى النظر في القضية، انتقادًا لاذعًا للمحققين لدفعهم دريك عبر «أربع سنوات من الجحيم». والآن، يعمل دريك لدى أحد متاجر «آبل».
اللافت هنا أن ضمان حجب هوية المبلغين عن جرائم يشكل بندًا جوهريًا في القوانين الفيدرالية التي تكفل حماية هؤلاء الأشخاص. وتعد هذه السرية ضرورية لحمايتهم من أية محاولات انتقام.
وأوضح كرين أنه رغم ذلك، جذب اسم دريك أنظار «إف. بي. آي.»، الأمر الذي أثار صدمته واعتبره مثيرًا للريبة. (جدير بالذكر أنه في حالات بعينها تنطوي على خطر عام وشيك أو خرق للقانون، يمكن كشف هوية المبلغين).
فيما يتعلق بسنودين، فإن حالة دريك تؤكد ما كان يشتبه به طوال الوقت. وعليه، أصبح أمامه خياران حقيقيان فحسب: إما التزام الصمت، أو خرق القانون عبر تسريب الوثائق إلى الصحف على أمل أن تلفت الأنظار إلى نشاطات المراقبة التي تقوم بها وكالة الأمن الوطني.
وقد اعترف سنودين باختراقه القانون، لكنه فعل ذلك بسبب قوة المصلحة العامة وراء الأمر، حسبما شرح. وأضاف أن للناس حق معرفة ما يجري فيما يخص المراقبة من دون تصريح التي يتعرضون لها.
وأكد سنودين أنه سيختار العودة إلى الولايات المتحدة إذا ما ضمن الحصول على محاكمة عادلة. ومن وجهة نظره، يعني ذلك السماح له بطرح «دفاع من منظور المصلحة العامة». وسيدفع محاموه بأنه ارتكب جريمة واحدة - تسريب وثائق إلى صحافيين - بهدف الإبلاغ عن جريمة أفدح: المراقبة غير المصرح بها. بيد أن القانون يحظر هذا التوجه، ذلك أن «قانون التجسس» لا يسمح بطرح دفاع من منظور المصلحة العامة، حيث يركز القانون على مسألة ما إذا كان المتهم سرب الوثائق أم لا. وإذا كان قد سربها، فهذا يعني أن الإدانة هي الحكم الوحيد الممكن.
وأخيرًا، فإنه إذا كان هناك شخص على استعداد لخوض مثل هذه المخاطرة لتنبيه الشعب الأميركي لخطر ما، فإن أقل ما يمكن للقانون عمله أخذ نيات المبلغ بعين الاعتبار. وعليه، ينبغي تعديل «قانون التجسس» بحيث يسمح بطرح دفاع من منظور الصالح العام. دعوا سنودين يعود ويمثل أمام القضاء.. لكن اجعلوها محاكمة عادلة.
* خدمة: «نيويورك تايمز»