علي إبراهيم
صحافي وكاتب مصري، ونائب رئيس تحرير صحيفة «الشرق الأوسط».
TT

خرائط جديدة

مائة عام مرّت على الاتفاق بين الدبلوماسيين؛ البريطاني والفرنسي مارك سايكس وفرنسوا بيكو، اللذين اتفقا في القاهرة على تقسيم المغانم في منطقة الشرق الأوسط، عندما تتم هزيمة الإمبراطورية العثمانية التي كانت تحكم معظم الدول العربية لمئات السنين.
وقتها في عام 1916 كانت القوى العظمى وقتها تخوض حربا عالمية، جزء من مسرحها الشرق الأوسط، مع اختيار الدولة العثمانية الوقوف مع ألمانيا الجانب الخاسر.
الآن مسرح الحرب هو منطقة الشرق الأوسط، التي تشتعل وسط أحاديث عن خطوط جديدة للحدود، قد تؤدي إلى كيانات سياسية جديدة، يجري رسمها هذه المرة بواسطة القوتين العظميين الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية اللتين تخوضان معركة نفوذ محتدمة، خريطتها تمتد من القرم إلى الشرق الأوسط، وتقف القوة العظمى الناشئة الصين تراقب وتستعرض عضلاتها من وقت لآخر في بحر الصين.
فتحَ «الربيعُ» العربي المجالَ لطموحات قوى محلية وإقليمية لرسم خطوط جديدة مختلفة عن التي رسمها الدبلوماسيان البريطاني والفرنسي، وجرى الحديث صراحة في كواليس القوى الدولية عن أن الأزمة في المنطقة، هي نتاج انهيار النظام الإقليمي الذي أفرزته الحرب العالمية الأولى وعاشت عليه المنطقة في العقود الماضية.
لقد فتح حديثَ إعادة ترسيم الحدود نائبُ الرئيس الأميركي جو بايدن في العراق، عندما تحدث قبل سنوات عن 3 دويلات على أسس عرقية وطائفية، وهي قائمة بالفعل على أرض الواقع، وامتدت المسألة إلى سوريا التي أصبحت الآن شبه مقسمة، منها ما هو تحت سيطرة المعارضة ومنها ما هو في قبضة ميليشيات مسلحة بآيديولوجيات مختلفة، بينما تقلصت سيطرة النظام على الأرض، والمفارقة أن من يقوم بإعادة ترسيم الحدود هو تنظيم إرهابي (داعش) الذي تعهد بالقضاء على «سايكس بيكو».
لم تكن لـ«سايكس بيكو» أي شعبية في التراث العربي، فقد كانت وما زالت تدرس على أنها شيء كريه فرضه الاستعمار، وفي نفس الوقت فإن العثمانيين كانوا أيضا غير محبوبين في التراث العربي، وفي الواقع فإن الأطراف كلها رأت أن لديها مصلحة في الحفاظ على هذه الحدود والجغرافيا السياسية، التي نجمت عنها، لأن البديل يعني الفوضى والاقتتال.
وأول من التقط إشارة أن هناك حدثا ضخما أو زلزالا يضرب المنطقة شبيها بما حدث قبل مائة عام، هو رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في إشارة إلى الثورة العربية الكبرى التي قادها الشريف حسين. وهناك شبيه للورانس في أحداث «الربيع العربي»، وخاصة في ليبيا، وهو الفرنسي برنارد ليفي.
لم يكن وضع المنطقة مريحا قبل الثورة العربية الكبرى، وكان الحكم التركي أو العثماني محلَ خلاف ولا يزال بين من يسمونه فتحًا، ومن يقولون إنه غزو، وهو في كل الأحوال جرى بحدّ السيف، كما حدث في معركة «مرج دابق»، وتعليق الجثث على باب زويلة في القاهرة.
لا تزال المنطقة من العرب إلى الأتراك لا تشعر بالراحة من «سايكس بيكو» التي كان لها ملحقات سهّلت ولادة إسرائيل، بينما لم تمنح دولة للأكراد، لكن الجميع يعرف أن إعادة رسم الخطوط مرة أخرى سيكون عنيفا، وقد تستمر الارتدادات الزلزالية فترة من الزمن، حتى تستقر الأوضاع، كيف سيكون المستقبل، وهل هناك خريطة جديدة؟ هذا سيحسمه الصراع الدائر بين واشنطن وموسكو.