غسان الإمام
صحافي وكاتب سوري
TT

مشروع لتوطين السوريين في الدول المجاورة!

أكاد أغرق بدموع التماسيح التي تنهمر بغزارة في الغرب، أسفا على مليوني لاجئ سوري إلى الدول المجاورة، وعلى عشرة ملايين نازح سوري هجرهم نظام بشار من «ملكوت» دولته الجديدة، إلى سوريا الصحراوية.

وضع النظام السوريين أمام خيارين: خيار الموت من الجو ببراميل بوتين المدمرة. وخيار النزوح بسلاح مرتزقة حزب الله الذي زودتهم به إيران زاعمة أنه «لتحرير» فلسطين. فبات صالحا «لتحرير» سوريا من السوريين.

عندما سأل الوزير جون كيري الوزير جواد «ظريف» عن مسألة التدخل الإيراني المسلح في سوريا، أجاب بأن سوريا ليست من اختصاص نظام روحاني. يعني أنها من اختصاص سلطة خامنئي وميليشيات الحرس الثوري وفيلق القدس.

ماذا فعل آية الله حسن روحاني في سوريا وإيران، منذ تنصيبه رئيسا في الصيف الماضي؟ لا شيء أبدا. ما زال مال النفط ينفق على تنمية مشروع «إيران العظمى» في المشرق العربي (العراق. سوريا. لبنان. غزة) ولتشييع المغرب العربي. وسودان الترابي والبشير. ابتسامات روحاني وظريف لم تنفع في إنفاق النفط الإيراني لتحرير الإيرانيين من الفاقة والتخلف، بدلا من تبديده على مشروع العظمة الشاهنشاهي القديم.

بعد احتلال يبرود. قلعة الحصن. القصير. تلكلخ، أعلن خبراء الأزمة السورية أن بشار استكمل تأمين شريان المواصلات الرئيسي، في دولته الممتد من دمشق إلى حمص. فاللاذقية (رايح. جاي)، عبر خطوط القوات «الجهادية» المتصالحة مع القوات النظامية والإخوانية في ريف دمشق.

ينسى هؤلاء الخبراء أن «الفتوحات» النظامية الأخيرة باتت تحكم الطوق على شمال لبنان. هذا يعني، بالعربي الفصيح، أن بشار وخامنئي - بالإذن من روحاني - قد ينتهزان الظرف المناسب للانقضاض العسكري على منطقتي عكّار وطرابلس اللبنانيتين «لتطهيرهما» من الخلايا السنية النائمة والمتحركة، وضم شمال لبنان إلى وسطه وجنوبه اللذين تهيمن عليهما، بحنو، «دولة» حزب الله التي لا يمكن فصلها عن مشروع «إيران العظمى».

غرق مشروع تحرير سوريا من حكم العائلة الطائفي، بدموع وعواطف مراكز البحوث الغربية التي راحت تركز على حل سوري «بتوطين» اللاجئين، في سوريا. ولبنان. وتركيا، داعية إلى الضغط على هذه الدول، لتشغيلهم لديها، ودمجهم في اقتصادها. ومشاريع تنميتها.

للأمانة، أقول إن «التوطين» لم يرد لفظيا، بعد، في تقارير وبحوث هذه المراكز، إنما ورد في مضمونها، على النحو الذي ذكرت، فهو التوطين بعينه. إذ لم يعد واردا الحديث عن حل غربي حاسم.

أما ملايين النازحين الذين هَجَّرَهُمْ القصف الجوي الوحشي، والتصفية المذهبية التي تشارك فيها الميليشيات الشيعية العراقية. اللبنانية. الإيرانية، فمراكز البحوث التي ترفع دراستها إلى مراكز القرار في أميركا. وأوروبا، تدعو إلى إقامة «مناطق حماية» لهم داخل سوريا. وممنوع على النظام الاعتداء عليها، بمعنى أنها باتت مستقلة عن دولته.

الطريف أن الترويج للتوطين يستند إلى تصنيف هؤلاء اللاجئين إلى الدول المجاورة، بأنهم من أصحاب الكفاءة. والخبرة، في المهن والحرف. الواقع أن الأردن وتركيا هما البلدان الوحيدان اللذان أقاما «مستوطنات» لجوء لهؤلاء السوريين، فيما لم يسمح حزب الله وحليفه ومرشحه الرئاسي المسيحي ميشال عون، بإقامة مخيمات لجوء كبرى لنحو 800 ألف لاجئ سوري، بحيث يستفيدون من مشاريع الإغاثة الدولية، براحة. وبحبوحة.

هؤلاء اللاجئون في الداخل والخارج يرفضون أصلا «التوطين» ويصرون على عودتهم إلى سوريا، والمناطق التي ولدوا. وعاشوا. وطردوا منها. لكن عددا كبيرا منهم دمجوا أنفسهم في الاقتصادين الأردني. واللبناني نتيجة لتعاطف الأشقاء الأردنيين واللبنانيين معهم، على الرغم من رقة حال هؤلاء المضيفين، وعلى الرغم من القوانين والإجراءات الرسمية المضادة للتشغيل.

وتركز دراسات مراكز البحوث الغربية على الأردن بالذات، ليكون أنموذجا «لتوطين» السوريين (نحو 700 ألف لاجئ)، باعتبار أنه نجح في توطين واستيعاب مليوني فلسطيني منذ عامي النكبة والنكسة (1948 - 1967).

غير أن الذي حدث عمليا هو أن مشروع «التوطين» يجري البحث في تمويله، في مؤتمرات ولقاءاتٍ بعضها خاص بالأردن. وبعضها خاص بلبنان. وتطالب تركيا أيضا بمشروع دعم مماثل. أما العراق الغني فيقدم دعما شحيحا لمائة ألف لاجئ سوري، بحجة أنهم لا ينسجمون مع طائفية نوري المالكي، وميوله وارتباطاته الإيرانية.

يبدو واضحا أن أميركا وأوروبا صرفتا النظر (مؤقتا) عن ترحيل نظام بشار، بعد فشل مؤتمر جنيف الثاني، وبعد الاتفاق الأولي لتبطئة مشروع إيران النووي. ولم يعرف بعد ما إذا كان نظام خامنئي/ روحاني، سيحصل على رتبة «صديق» متعاون مع الغرب.

خوف العرب كبير من اعتراف الغرب بضرورة «إبقاء» سوريا في فلك مشروع «إيران العظمى»، على الرغم من أن 25 مليون إنسان ليس بينهم سوى مائة أو مائتي ألف شيعي. (أقل من عدد الأكراد الأيزيديين). وعلى الرغم من كل جهود التشييع التي سمح بها الأب والابن.

وهكذا، فمشروع حل الأزمة السورية، في المنظور الغربي، تراجع عن تأهيل بشار للرحيل هو ونظامه. بل هناك دعوة للتعاون معه في تصفية «الوجود الجهادي» في مناطق المعارضة السورية. وعلى هذا الأساس، تم منع الدول العربية المانحة من تقديم سلاح ثقيل كاف لإزاحة هذا النظام الإرهابي، أو على الأقل، سلاح كاف لطرقه وتليينه، بحيث يغدو نظاما ديمقراطيا (لا تضحك) يتعاون مع معارضة مسلحة لا علاقة لها بالديمقراطية.

لم يقدم الوسيط العربي والدولي الأخضر الإبراهيمي استقالته، بعد فشله في جنيف 2، لعقد مصالحة «تبويس شوارب»، بين الطرفين السوريين المتنازعين. لم يحفظ ماء الوجه، كما فعل ورحل سلفه الوسيط كوفي أنان.

بل ها هو الإبراهيمي يطير إلى طهران لإقناع أصحابها بالضغط على النظام السوري للقبول بتسوية «تبويس الشوارب». ولم تبادر الجامعة العربية إلى سحب تفويض العرب له. ربما تنتظر هي الأخرى. لعل وعسى أن ينجح في طهران!

استقال مساعد الإبراهيمي الفلسطيني ناصر القدوة. وأجبرت المخابرات السورية مدير مكتبه بدمشق على الاستقالة. حتى نظام بشار يرفض التعاون معه، خوفا من أن ينجح في تمرير تسوية «تبويس الشوارب»، من البوابة الإيرانية. الروسية. الغربية المستحيلة.

طالت. استطالت. استحالت التسوية الفلسطينية، بعدما عاشت كقضية لاجئين، وليس كقضية قومية. فهل يتعين أن يعيش السوريون المنكوبون، كقضية، لاجئين يكفيهم حلا توطينهم لدى أشقائهم!

شكرا لألمانيا. السويد. فرنسا. أميركا. فهي تفاخر بأنها حلت الأزمة السورية. فقد وطَّنت لديها مائة ألف لاجئ سوري، ربما اعتبروا رموزا تعوض عن توطين 25 مليون سوري في بلدهم.

العرب يستعدون لمعاتبة أوباما الزائر. باستباق حضوره بعقد مؤتمر قمة عاجل. مسكين الشيخ صباح الأحمد. المطلوب منه تحقيق مصالحة خليجية، وهو الخارج من غرفة العمليات الجراحية في مستشفى أميركي منذ أيام قليلة. أما الإيرانيون وعربهم، فهم يزعمون أن أوباما آتٍ لإعادة «ترتيب» أوضاع المنطقة، وكأن إيران ليست بحاجة إلى «ترتيب» أو تقييم أوضاع، بعدما «خربطت» المشرق العربي، بحلفها الجهنمي مع الأسد الأب قبل أكثر من ثلاثين سنة.