محمد العريان
أقتصادي مصري- أمريكي
TT

السر وراء تقلبات أسواق العملة

العام الماضي، حثت بعض الأصوات النافذة بنك الاحتياطي الفيدرالي على عدم رفع معدلات الفائدة، خوفًا من أن يسفر ذلك عن تباطؤ النمو العالمي وتأجيج الاضطرابات المالية. من جانبهم، أنصت مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي بأدب لهذه النصائح، ثم أقدموا على زيادة معدلات الفائدة على نحو بالغ، ثم توقفوا بعد ذلك. وبالنظر إلى التطورات الأخيرة بمجال أسواق الصرافة، فإن بعض هذه الأصوات ربما تبدأ في التساؤل الآن حول ما إذا كان ينبغي للاحتياطي الفيدرالي استئناف رفع معدلات الفائدة.
ويعكس هذا التفكير الظروف السلبية التي ظهرت جراء الفترة الطويلة التي استمر خلالها تطبيق مزيج غير متوازن من السياسات الاقتصادية من جانب أهم اقتصاديات العالم من حيث التنظيم. وتتضمن هذه الظروف منظومة لمعدلات الصرف بالاقتصاديات المتقدمة يبدو أنها لم تعد تستجيب «على نحو طبيعي» لمتغيرات معدلات الفائدة، بجانب إجراءات جزئية على صعيد السياسات المتبعة يخفت تأثيرها مقارنة بالتأثيرات التي يمكن أن تنتج عن توجه أكثر شمولية.
داخل الاقتصاديات العاملة بصورة طبيعية، من شأن زيادة معدلات الفائدة إبطاء حركة الاقتصاد من خلال زيادة تكلفة الاستهلاك والاستثمار المعتمد على الاقتراض. ومن المفترض أن يخلف هذا تأثيرًا مترابطًا في تدفقات الأموال عبر الحدود، ويجذب تدفقات أعلى مع سعي المستثمرين للحصول على عائدات مالية أكبر. ويؤدي هذا إلى ارتفاع بقيمة العمل، على افتراض أنها تعوم بسهولة نسبية.
قبيل انعقاد اجتماع بنك الاحتياطي الفيدرالي في ديسمبر (كانون الأول) الماضي شعرت بعض الهيئات، منها صندوق النقد الدولي، بقلق من أن ارتفاع سعر الفائدة في أكبر بنك مركزي في العالم قد يوقع الاقتصاد العالمي في الفوضى في ظل عدم اكتمال بناء مؤسسات بالقوة الكافية على أسس مالية صلبة. وعلى الرغم من أن هؤلاء الخبراء أقروا بأن الولايات المتحدة كانت الأفضل بين جميع الدول المتقدمة اقتصاديا، فقد عبروا عن قلقهم من أن ارتفاع سعر الفائدة قد يسحب رؤوس المال من الدول الناشئة؛ مما يتسبب في مزيد من تباطؤ النمو ويزيد من مخاطر عدم الاستقرار المالي. أكدت التطورات في يناير (كانون الثاني) وبداية فبراير (شباط) الماضيين ذلك القلق، رغم أن الخوف من النمو الصيني ربما كان له تأثيره في الأسواق بدرجة أكبر من تأثير سياسة البنك الفيدرالي. على الأقل على الورق، فإن خطوة البنك الفيدرالي الصغيرة تجاه إحكام السياسة المالية قوبلت بما هو أكثر من مجرد تخفيف سياسات البنوك الثلاثة الكبرى المهمة الأخرى؛ بنوك الصين ومنطقة اليورو واليابان. فبتحديد أسعار فائدة أقل، قامت تلك البنوك الثلاثة بعمل جبار لتحفيز الطلب، سواء بشكل مباشر أو عن طريق تقليل قيمة عملاتهم.
وبعد أربعة أشهر، كان التأثير في عملات العالم غير متوقع تمامًا، وأدى إلى نتائج عكسية بالنسبة إلى محاولات إعادة التوازن. فبدلاً من تخفيض قيمة العملة، ارتفعت قيمه اليورو والين الياباني أمام الدولار؛ مما زاد من الرياح المعاكسة للنمو والتضخم. الأسبوع الماضي، وضعت وزارة الخزانة الأميركية خمس دول، منها الصين واليابان وألمانيا، على قائمة المراقبة، وعليه فسوف تخضع تعاملاتها النقدية فيما يخص سعر الصرف للرقابة الشديدة لتحديد ما إذا كانوا يحصلون على مزايا تجارية غير عادلة.
إذن كيف تفسر حال أسواق المال التي انقلبت رأسًا على عقب؟ فكما قلت في مارس (آذار) الماضي في جدالي حول نقطة معينة، فإن فوارق سعر الصرف قد تفقد تأثيرها وقدرتها على التحكم في سعر الصرف. وحتى إن لم تكن تلك هي القضية، فإن التأثير المرجو للنمو ستهزمه المشكلات المنتشرة الناتجة عن محركات النمو الهيكلي غير الكافية، وإجمالي النقص في الطلب، والتقلبات المزعجة والمديونيات الكبيرة. يعد هذا سببًا آخر للتحذير من الاعتماد المتواصل على ما ثبت أنه مواقف سياسات اقتصادية غير متوازنة. فكلما زاد تصميم الدول المهمة اقتصاديا على بنوكها المركزية زادت خطورة تحمل الاقتصاد العالمي لتكلفة التقلبات الشديدة، وحينها لن تجني تلك الدول سوى القليل من الفوائد، إن كانت هناك فوائد من الأساس، وقد تصبح حركة العملات غير متوقعة طيلة الوقت.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»