بكر عويضة
صحافي فلسطيني بدأ احتراف الصحافة في ليبيا عام 1968 حيث عمل في صحيفة «الحقيقة» في بنغازي، ثم «البلاغ» و«الجهاد» في طرابلس. واكب صدور الصحافة العربية في بريطانيا منذ 1978 فعمل في صحيفة «العرب»، ثم مجلة «التضامن»، وبعدها جريدة العرب الدولية «الشرق الأوسط»، كما عمل مستشاراً لصحيفة «إيلاف» الإلكترونية.
TT

رونالدو البرتغالي.. أم «الدومينو» البغدادي؟

بدءًا، وجب توضيح أمرين؛ أولهما أنني لست أزعم معرفة بشؤون كرة القدم ونجومها. العكس صحيح، إذ إنني، ولا فخر، أجهل تقريبًا كل ما يتعلق بلعبة تتعلق بسحرها قلوب ملايين الناس، بمشارق المعمورة ومغاربها. إنما استأذن نجم نادي «ريال مدريد» وجماهير المعجبين بفنه، كي أربط اسمه، كما ورد في عنوان هذا العامود، باسم مَنْ خطر لي وصفه باستعارة لغوية من قوم شكسبير، وهذا مربط ثاني التوضيحين. يهمني التأكيد هنا أنني لست أسخر من أحد، لا اللاعب البرتغالي النجم، ولا لاعب بغداد الذي أعطى نفسه صفة «خليفة» المسلمين، ثم توارى عن الأنظار وراح يمارس، من وراء جُدُر، ما يرى أنه «جهاد» ولعله اقتنع من تلقاء ذاته، أو جاء من تطوع لإقناعه، بأن «الحجر» الأساس في إعادة تشييد بنيان الخلافة هو دور فُصِل له. وإذ لبس الدور، أو تلبسه، ربما لم تخطر له حقيقة أنه في نهاية الأمر، وأوله، ليس أكثر من حجر بين أحجار قطع «دومينو»، لن يستطيع تقرير نهاياتها سوى تفاهم كبار؛ لأنهم مُلَّاك قرار الحسم، مع هذا التيار أو ذاك.
بلغة الصحافة، القصة بدأت معي إذ طالعت، نهار أربعاء الأسبوع الماضي، ردود فعل فوز «ريال مدريد» على منافسه الألماني «فولسبيرغ» في دوري أبطال أوروبا لكرة القدم. موقع «بي بي سي» العربي يقدم خدمة صحافية ممتازة لزواره، تعرض أهم ما يشغل جماهير مواقع الإعلام الجديد. عبر تلك الخدمة، علمت أن المباراة «انتهت بفوز ريال مدريد بثلاثة أهداف نظيفة سجلها كريستيانو رونالدو، ليدفع بفريقه إلى دور النصف النهائي»، فظهر «اسم ريال مدريد في أكثر من مائة ألف تغريدة، بينما حظى اسم رونالدو بنحو مائة وعشرين ألف تغريدة»، أي أن الاثنين معًا، النجم والنادي، حظيا بما يقرب من ربع مليون تغريدة خلال فترة الأربع وعشرين ساعة، التي تلت المباراة. تفاعل ممتاز، قلت لنفسي، بين نادٍ ونجم وجمهور. ثم وجدتني أتساءل، ترى لو أن «الخليفة» البغدادي ظهر فجأة من المخبأ، وأطلق بضع كلمات، كم من التغريدات ستهتم به، مقارنة برونالدو وناديه؟ لكن، ربما أسأل، ما العلاقة، أم أنك تتخذ الأمر هُزوًا؟ كلا، أشرت إلى أنني لستُ أسخر، بل هو تساؤل أردت منه الولوج إلى الأهم منه: هل إن نشوء تنظيم داعش، ثم ما تطور عنه من «دولة» مزعومة، أمر يحتل خارج مناطق سيطرته، أولوية تماثل الدرجة ذاتها التي تشغل اهتمامات ملايين العرب والمسلمين بأمورهم المعيشية، ضرورية أو كمالية، أم أن ذلك الاهتمام لا يخرج عن اللحظة، يسمع الناس الخبر، ثم ينسونه؟
لست أدري. إنما، استوقفتني اليوم الاثنين، ملاحظتان، أولاهما قول تشاك هيغل، وزير الدفاع الأميركي السابق في حوار مهم نشرته «الشرق الأوسط» وأجرته أستاذة الحوار الصحافي هدى الحسيني، ما يلي: (علينا أن نسأل كيف أصبح «داعش» قوة؟ من أين له ذلك؟ كيف بدأ؟)، ثم يوضح: (هناك عوامل عدة أنتجت «داعش»، ثم التكنولوجيا ساعدت «داعش» أكثر. فالتكنولوجيا أعطت قوة للناس، والآيديولوجيا). الملاحظة الثانية ما أوردته صحيفة «ديلي تلغراف» لجهة أن عائدات دولة البغدادي الشهرية «انخفضت من 80 مليون دولار في أبريل (نيسان) 2015، إلى 54 مليون دولار في الشهر الحالي»، ويرجع ذلك إلى تراجع عدد سكان مناطق «الخلافة» من «نحو تسعة ملايين سنة 2015، إلى أقل من ستة ملايين حاليا». حسنًا، إذا كان مسؤول سياسي بوزن تشاك هيغل يثير تلك الأسئلة المحيرة، وإذا كانت صحيفة برصانة «ديلي تلغراف» وحرصها على الدقة، تأتي بمثل تلك المعلومة، هل من عجب إن تساءل حيران كما حالتي، ترى من أي كوكب هبط «دومينو» بغداد، وهل أن الغرب، بكل محيط معلوماته، عاجز عن فك شفرة «دولته»، أم أن الأمر مُرجأ إلى حين؟!