إيلي ليك وجوش روغين
TT

«وثائق بنما» سلاح محتمل في يد المعارضة السورية

تعكف المعارضة الديمقراطية السورية على تفحص «وثائق بنما»، التي جرى الكشف عنها مؤخرا، في محاولة لبث الروح من جديد في جهود تحديد، وتجميد مليارات الدولارات التي حصدها أقارب وأصدقاء الديكتاتور الأسد.
كانت الوثائق التي جرى تسريبها من شركة «موساك فونيسكا»، وهي شركة محاماة في بنما، قد كشفت النقاب عن شبكة من شركات الواجهة وحسابات «أوفشور» تخفي وراءها ثروات ترتبط بمسؤولين بارزين بمختلف أرجاء العالم. ومن بين ما كشفته الوثائق معلومات جديدة حول رامي وحافظ مخلوف، ابني خالة الأسد، اللذين أشارت تقديرات إلى أنهما سيطرا في وقت مضى على أكثر من نصف الاقتصاد السوري. أيضًا، تكشف الوثائق عن ممتلكات عقارية بقيمة تقدر بملايين الدولارات تخص سليمان معروف، حليف الأسد المقيم في لندن.
وأخبرنا مؤخرا، مسؤولون من «ائتلاف سوريا الديمقراطية»، أن المعلومات الجديدة قد تشكل خريطة تفيد في الكشف عن ثروة الأسد التي سلبها من البلاد.
وفي هذا السياق، أوضح يحيى باشا، رئيس الائتلاف: «على مدار عقود، نهب آل الأسد المليارات من أموال الشعب السوري، واستغلوها في تأجيج أعمال ذبح في صفوف السوريين من دون تمييز، لكن أصبح باستطاعتنا الآن تحديد مكان هذه الأموال».
من جانبها، رفضت المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخزانة الأميركية، بيتسي بوراسا، التعليق على المعلومات الجديدة الخاصة بالأخوين مخلوف، لكنها قالت: «من المهم معرفة أن الحكومة الأميركية تركز أنظارها بجد على التحقيق فيما يخص نشاطات غير قانونية محتملة ». ويسلط الضوء على وثائق بنما، في وقت قلصت الحكومة الأميركية جهودها المعلنة على الأسد، فقد بدلت واشنطن نبرتها تجاه النظام السوري.
وتأتي هذه «وثائق بنما» لتمنح معارضي الأسد أداة نفوذ جديدة في مواجهة النظام: المال. وفي هذا الصدد، قال ديفيد تافوري، وهو محامٍ عمل مع الحكومة الانتقالية الليبية والمعارضة الديمقراطية السورية بخصوص استعادة أصول: «يتمثل التحدي الأول في مواجهة جهود استعادة الأصول، وإثبات أن هذه الأصول مسروقة، وإثبات أن المالك الاسمي لها ليس مالكها الشرعي. وفيما يخص مدى إثبات (وثائق بنما) هذه النقطة، نجد أنها توفر معلومات مفتاحية تحتاجها المعارضة لاقتفاء أثر الأصول، واتخاذ إجراءات قانونية لاستعادتها».
يذكر أن تافوري شارك عام 2011 في جهود تسليم أصول مجمدة تخص نظام القذافي إلى المعارضة الليبية، أثناء الحرب الأهلية التي عصفت بليبيا. وقد رفضت الحكومة الأميركية تسليم الأموال حتى أصبحت المعارضة الليبية رسميًا الحكومة المعترف بها. وفي نهاية الأمر، حصلت الحكومة الليبية الجديدة فقط على نسبة زهيدة من الثروة المقدرة للنظام.
يذكر أن رامي مخلوف الذي كان مسؤولاً عن عدة شركات تابعة للحكومة السورية حتى وقت اندلاع الأزمة التي عصفت بالبلاد، يخضع لعقوبات من جانب الحكومة الأميركية منذ عام 2008 بسبب استغلاله ومعاونته في الفساد العام الذي تورط به النظام السوري. وقد سيطر على قطاعات الاتصالات عن بعد والتجارة والنفط والغاز الطبيعي والصرافة داخل سوريا، تبعًا لما أفادته وزارة الخزانة.
أما حافظ، شقيق رامي، فتولى رئاسة الإدارة العامة للاستخبارات، وخضع كذلك لعقوبات أميركية منذ عام 2007، كجزء من جهود رامية لمعاقبة قيادات سوريا بسبب تقويضها سيادة لبنان المجاورة. وفي مايو (أيار) 2011، بعد شهور قليلة من الحملة القاسية التي شنتها الحكومة السورية ضد متظاهرين، فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات ضد الشقيقين، وقد امتدت العقوبات إلى جزر فيرجين البريطانية، حيث توجد شركات واجهة يسيطر عليها الشقيقان. كما كشفت الوثائق عن معلومات جديدة بخصوص ثلاث شركات واجهة أسسها الشقيقان مخلوف - «بانغيت إنترناشونال» و«ماكسيما ميدل إيست تريدينغ» و«مورغان أديتيفز مانفاكتشرينغ». ورغم تلقيهم عدة تحذيرات، ظل مسؤولون من «موساك فونيسكا» بمجال إدارات الشركات التابعة للشقيقين مخلوف حتى سبتمبر (أيلول) 2011. وتبعًا لما أوردته صحيفة «لوموند» الفرنسية، فإن «موساك فونيسكا» استمرت في تقديم المشورة إلى «بانغيت إنترناشونال» حتى وقت متأخر من عام 2012. كما تكشف الوثائق كيف عاون مصرف «إتش إس بي سي» الشقيقين في الاحتفاظ بحساباتهما المصرفية السويسرية بعد خضوع نشاطاتهما للتحقيق من قبل الاتحاد الأوروبي عام 2011، فيما يتعلق تحديدًا بدورهما في الحملة العسكرية ضد المواطنين السوريين. وقد قدم «إتش إس بي سي» النصح مرارًا لـ«موساك فونيسكا» بالاستمرار في التعاون مع الشقيقين مخلوف، إلا أن المصرف جمد حساباتهما المصرفية السويسرية في سبتمبر 2011.
من جهته، قال وزير الخزانة السابق ماثيو ليفيت، إنه علاوة على الجهود الخاصة لتجميد ثروات النظام السوري بالخارج، فإن المعلومات التي كشفتها وثائق بنما قد تسهم في فتح تحقيقات جديدة حول جميع العناصر الفاعلة المرتبطة بالممارسات التجارية الفاسدة للنظام السوري.
وبالنسبة للمعارضة السورية، فإن السيطرة على أموال الأسد ليست الغاية الكبرى، وإنما تبقى الأولوية الأولى تجريد النظام السوري من شرعيته، وكذلك المصارف والمحامين الذين يعاونونه.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»