نبيل عثمان الخويطر
كاتب ومحلل اقتصادي
TT

كيف نرفع الدعم عن أسعار منتجات البترول المحلية دون ضرر للمواطن؟

عندما نتحدث عن دعم الدولة لمنتجات البترول والغاز والكهرباء في المملكة يجب أن نحذر الخلط بين الدعم الذي يؤثر مباشرة في المواطن العادي، والدعم الذي يؤثر فقط في أقلية من الأثرياء. فمثلا، ليس هناك شك في أن دعم سعر البنزين والكهرباء يؤثر مباشرة في المواطن العادي، أما دعم سعر الغاز الطبيعي والديزل والزيت الثقيل للمصانع المحلية «يكاد» ألا يشعر به المواطن العادي، سواء بقي أم رُفع من أجل المصلحة الوطنية.
ومن يحصي ملكية أسهم شركة سابك في سوق الأسهم سيجد أن 95 في المائة من أسهم «سابك» مملوكة من قبل أفراد وشركات لا تقل استثماراتهم فقط في أسهم «سابك» عن مليون ريال، أي أن لديهم سيولة مالية تسمح لهم باستثمار أكثر من مليون ريال في سهم واحد، ناهيك عن استثماراتهم في أسهم وأصول أخرى. وهذه الأرقام تدل على أن جزءا من دعم الدولة لسعر الغاز الطبيعي يذهب إلى أغنى 1 في المائة من الشعب السعودي، لأن سعر بيع الغاز الطبيعي لـ«سابك»، وغيرها من الشركات السعودية الخاصة هو 75 سنتا للمليون وحدة حرارية، أي 10 في المائة من السعر العالمي القريب من ثمانية دولارات للمليون وحدة حرارية.
والأدهى من ذلك، ما أشار إليه الاقتصادي السعودي عبد الحميد العمري في مقال نشر في جريدة «الاقتصادية» بتاريخ 18 يونيو (حزيران) 2014، وهو أن أرباح «سابك» وهمية، لأنها لو اضطرت إلى دفع السعر الحقيقي (غير المدعوم) لقيم الغاز والكهرباء الذي تستهلكه في إنتاجها لسجلت خسارة قدرها 9.6 مليار ريال فقط في سنة 2013.
والغاز الطبيعي ليس المكون الصناعي الوحيد الذي يباع إلى القطاع الخاص بـ10 في المائة من السعر العالمي، فإلى جانب شركة الكهرباء، التي هي عمليا مملوكة للدولة، المستهلك الوحيد للديزل والزيت الثقيل المسوق داخل المملكة، هناك شركات كبيرة مملوكة من قِبل أفراد قليلين، وهم أصحاب شركات الإسمنت والحديد وشركات نقل البضائع الكبيرة، والمزارع العملاقة وحتى المجمعات التجارية، حيث يشتري أصحابها الديزل بسعر بخس، ثم يحرقونه في مولدات كهربائية متدنية الكفاءة لتفادي دفع التسعيرة التجارية لشركة الكهرباء، وهذا التصرف يضيع كميات من الديزل تكلف الدولة أضعاف سعره المحلي، ويحرم شركة الكهرباء من مصدر دخل مهم، وحتى إذا كانت أسهم هذه الشركات مدرجة في سوق الأسهم السعودية فنسبة المالكين لأسهم هذه الشركات يمثلون أقل من 1 في المائة من الشعب السعودي، كذلك عدد السعوديين الموظفين في هذه الشركات أو يعملون في مؤسسات تقدم خدمات للموظفين في هذه الشركات ربما أقل من 100 ألف، أما الأجانب الموظفون بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في هذه الشركات الخاصة المدعومة، فهم أضعاف عدد السعوديين.
والسؤال هو: ماذا سيحدث إذا رفعت الدولة الدعم عن المنتجات البترولية والكهرباء التي تستهلكها هذه الشركات؟ هل ستفلس، أم ستتقلص أرباحها، أم تحسّن أداءها؟ هذا سؤال مُهم يجب أن يدرس ويُتخَذ فيه قرار، فلعل ما ستوفره الدولة من دعم لهذه الشركات يكفي لتوظيف مليون سعودي، أو ربما يربط مستوى الدعم بنسبة السعوديين الموظفين فيها وعددهم.
أما بالنسبة للدعم الذي يمسّ المواطن العادي مباشرة، وهو دعم البنزين والكهرباء، فقبل كل شيء يجب أن يُجرى مسح دقيق لمستوى الدخل الشخصي في جميع أنحاء المملكة، ومعدل ما تصرفه العوائل في جميع المحافظات على البنزين والكهرباء، بعد ذلك بإمكان الدولة رفع الإعانة عن البنزين تدريجيا، بالتزامن مع دفع إعانات مالية لذوي الدخل المحدود الذين يصعب عليهم دفع فاتورة البنزين الجديدة.
أما الكهرباء، فأفضل طريقة لرفع الدعم عنها أن تضع شركة الكهرباء مبلغا ماليا في حساب كل مشترك، مساويا لمعدل قيمة الدعم الذي يحصل عليه كل مواطن من شركة الكهرباء، ولنقُل على سبيل المثال إنه ثلاثة آلاف ريال في السنة، ثم بعد ذلك تقوم الشركة بإرسال فواتير للمشتركين بالقيمة الحقيقية للكهرباء، فإذا شاء المواطن أن يستمر على معدل إنفاقه نفسه في الماضي لن يتغير شيء، ولكن إذا قرر أن يهتم بتوفير الكهرباء عن طريق، مثلا، إغلاق المكيفات عند خروجه من المنزل، وربما تركيب عازل حراري على سطح المنزل أو صفائح توليد كهرباء من ضوء الشمس، فإنه سيوفر المبلغ المودع في حسابه لدى شركة الكهرباء، وربما يحصل عليه نقدا في نهاية السنة، وإذا فعل هذا ملايين المشتركين فإن الدولة ستوفر مليارات الدولارات المرصودة حاليا لإنشاء محطات توليد كهرباء خلال السنوات القليلة القادمة، لأن نمو الطلب على الكهرباء الذي يصل اليوم إلى 7 في المائة سيشهد انخفاضا كبيرا، وربما انكماشا بحيث يكون أقل في السنوات القادمة من الطلب الحالي على الكهرباء.