د. محمد بن صقر السلمي
مؤسس ورئيس المعهد الدولي للدراسات الإيرانية (رصانة)
TT

روحاني ونظرته نحو الخليج

في احتفال كبير في العاصمة الإيرانية تطلق عليه إيران «الملتقى الوطني ليوم تكريم الشهداء» تحدث الرئيس الإيراني حسن روحاني يوم الأثنين الماضي عن الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988م) وظروف الحرب والدور الذي بذله الجنود الإيرانيون في مواجهة «العدو» العراقي. الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل إن روحاني تجاوز ذلك إلى ما عنونت له بعض المواقع الإيرانية الشهيرة بـ«دور السعودية والإمارات في الحرب ضد إيران». السؤال الذي يتبادر إلى الذهن هنا، لماذا تحدث روحاني عن هذا الموضوع الحساس خلال هذه الفترة، رغم أن حكومته ترفع شعار التقارب مع دول الجوار العربي الخليجي خاصة المملكة العربية السعودية، ولماذا ركز روحاني على السعودية والامارات دون غيرهما؟
إن الرسالة التي أراد روحاني تمريرها تتركز حول دور السعودية والإمارات تحديدا في الحرب ضد إيران خلال تلك الحقبة الزمنية. إنها محاولة إعادة تشكيل الذاكرة الإيرانية بما يتوافق مع المرحلة والخلافات السياسية القائمة، وما يخدم الجانب الإيراني في هذا الصدد. بعبارة أخرى، يحاول الرئيس الإيراني «شيطنة» بعض دول الخليج دون غيرها أو ما يمكن اعتباره إعادة تصنيف لهذه الدول وفق نظرية «الخير» و«الشر» المتعمقة في الأدبيات الإيرانية عبر التاريخ.
نعلم جيدا أن إيران على مشارف إعادة بناء علاقاتها مع بعض الدول الخليجية، خاصة قطر، وقد جرى الإعلان خلال الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية القطري لإيران عن تدشين منطقة تجارية حرة بين بينهم لتعزيز التبادل التجاري بين البلدين، وأن قطر وإيران متفقتان على الحل السلمي والسياسي للأزمة السورية. إضافة إلى ذلك، كشفت إيران قبل أيام عن الاجتماع الأول للجنة السياسية المشتركة بين قطر وإيران، وقد احتضنت طهران هذا الاجتماع الذي شارك فيه عدد من كبار المسؤولين في وزارتي الخارجية القطرية والإيرانية، وسوف تواصل هذه اللجنة اجتماعاتها كل ثلاثة أشهر، على التناوب بين الدوحة وطهران، وفقا لما نشرته وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية.
من جانب آخر، تعمل إيران على توطيد علاقتها مع عمان، فرغم متانة العلاقات الثنائية إلا أن الهدف في الوقت الراهن التحول إلى مرحلة جديدة في العلاقة، خاصة ونحن نتحدث عن بناء سكك حديدية ومد أنابيب لنقل الغاز بين إيران والسلطنة، واستثمارات إيرانية كبيرة في ميناء الدقم العماني أيضا.
بالإضافة إلى هاتين الدولتين، نجد أن هناك تقاربا كبيرا بين أنقرة وطهران خاصة خلال الفترة القليلة الماضية التي اعقبت خسارة تركيا للورقة المصرية - العربية، توجت بزيارة رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان إلى طهران وتوقيع عدد من الاتفاقيات التجارية بين البلدين، وإعلان اردوغان أن إيران بمثابة بلده الثانية الأمر الذي يعبر عن حميمية العلاقة بين البلدين.
ماذا عن بقية دول الخليج؟ ندرك أن العلاقة متوترة بين إيران ومملكة البحرين، وقد ازدادت سوءا بعد التفجيرات الأخيرة، واتهام المنامة لطهران بتدريب الجماعات المسلحة في البلاد، وقد قال وزير خارجية البحرين أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في حديثه عن التفجيرات «إنه إرهاب مدبر ببساطة... وأن العنف الذي نراه في البحرين يحظى بدعم مباشر من عناصر الجمهورية الإسلامية الإيرانية»، مضيفا بأن بعض هذه الجماعات «مرتبطة مباشرة بقوة القدس وهي وحدة خاصة في الحرس الثوري الإيراني» وفقا لتقرير نشرته رويترز مؤخرا.
لم يتبق لنا إلا الحديث عن الكويت. الملاحظ أن روحاني تجنب الحديث عن الكويت رغم أن المتابع للإعلام الإيراني خلال فترة الحرب العراقية الإيرانية، يدرك مدى تذمر طهران آنذاك من الدعم المالي والعسكري الكويتي للجانب العراقي، وقد توترت العلاقات بين الجانبين بشكل كبير خلال تلك الفترة وقامت الكويت بإجلاء عدد كبير من الإيرانيين المقيمين على أراضيها. إذن ما هو السر؟ تدرك إيران أن العلاقة مع الكويت جيدة نسبيا وقد تتحسن في الأيام القادمة، كما أن بعض الصحف الكويتية تحدثت عن مشروع وساطة كويتية لتحسين العلاقة بين الرياض وطهران بعد فشل المحاولات العمانية في هذا الصدد. الأهم من ذلك يكمن في أن الكويت التزمت الحياد حتى الآن فيما يتعلق بالتوتر الأخير الخاص بسحبت السفراء. ترغب طهران في انضمام الكويت إلى صفها أو على أقل تقدير تستمر في موقفها الحيادي. من هنا يتضح سبب تجاهل روحاني للدور الكويتي خلال الحرب العراقية الإيرانية والتركيز على الجانبين السعودي والإماراتي فقط.
الخلاصة أن إيران، بوجهها «الروحاني»، تسعى إلى استغلال الفرص وتشكيل جبهة عربية - اسلامية تكون هي محورها الرئيس وتضم إلى جانبها كلا من تركيا وقطر وعمان والعراق والهند، وتأمل أن تنضم الكويت إلى هذه الجبهة. في مقابل كتلة تضم السعودية والإمارات والبحرين ومصر وباكستان والأردن. السؤال: هل سترحب الولايات المتحدة بهذا التقسيم؟ الإجابة نعم وقد تساهم في سبيل إنجاحه، لأن ذلك يصب في مصلحة المشروع الأميريكي الجديد في منطقة الشرق الأوسط.