د.سامح فـــوزي
كاتب مصري وباحث أكاديمي، مدير مركز دراسات التنمية بمكتبة الإسكندرية، وعضو مجلس الشورى المستقيل عن التيار المدني.
TT

الإخوان المسلمون: البحث عن اسم جديد

جلست في مقهى بمنطقة «المنيل» في اليوم التالي مباشرة للمواجهات الدامية يوم الأحد 6 أكتوبر (تشرين الأول) التي نشبت بين الإخوان المسلمين وأهالي المنطقة. كان الحديث بين الجالسين بالمقهى عما حدث في اليوم السابق من مواجهات بالحجارة والرصاص والخرطوش، شعور بالثأر يغلف كلامهم، ومنطقهم أن متظاهري الإخوان المسلمين يستخدمون العنف، ويقطعون أرزاقهم. وتلمح من حديثهم أنهم يحتفظون بذاكرة جماعية تسجل تفاصيل الأيام التي شهدت مواجهات بين الإخوان المسلمين وسكان المنطقة على مدار شهور، وتحصر الخسائر التي وقعت، وأسماء الضحايا والمصابين.

الثارات الجماعية التي بدأت تتشكل على هوامش المواجهات الممتدة بين الإخوان المسلمين وأهالي المناطق التي تعبر فيها مظاهراتهم، تمثل ملمحا جديدا لنمو رأس مال اجتماعي «سلبي» وليس «إيجابيا». رأس المال الاجتماعي الإيجابي يعني الثقة، والاحترام المتبادل، والشعور بالتضامن. أما رأس المال الاجتماعي السلبي فهو اجتماع مواطنين بعضهم ضد بعض، تضامنا على العدوان، ورغبة في القضاء على الآخر.

وللأسف، لا ينتبه الإخوان المسلمون إلى ما يحدث، تشغلهم معركة البقاء، وتلهيهم المواجهات المتتابعة عن حقيقة الحصار المجتمعي الذي يتراكم حولهم.

دخلت جماعة الإخوان المسلمين - تدريجيا - دائرة الحظر القانوني. الجماعة، ثم الجمعية، ويبدو أن ذراعها السياسية (حزب الحرية والعدالة) في الطريق. المسألة بالنسبة للإخوان المسلمين لا تبرح مربع «المظلومية»، وبالنسبة لخصومهم «تحصيل حاصل» بعد أن قرر الشعب حظر الجماعة: فكرا وأفرادا وسياسات.

لو فكر الإخوان المسلمون - قليلا - بهدوء من دون استدعاء الشعور بالغبن، أو الوقوع في براثن «فكر الاضطهاد» لوافقوا على ما يحدث، وربما أسرعوا كي يكون بأيديهم وليس بيد عمرو - كما يقال. الإخوان المسلمون، حزب الحرية والعدالة، الجماعة، صارت جميعا أسماء ملتبسة، ومفخخة، تنال من كراهية الناس أكثر ما تنال من استحسانهم. كل يوم يضيف الإخوان المسلمون - عبر سلسلة من ردود الفعل والانتفاضة اليائسة - مزيدا من الرفض الشعبي لهم. إذا أرادوا البقاء عليهم التخلص من الأسماء القديمة، والبحث عن اسم جديد. أما إذا أرادوا المواجهة والفناء فإن عليهم التمسك بالأسماء الحالية، والقتال من أجل بقائها. وهل يستطيع الإخوان المسلمون - إذا أجريت انتخابات في غضون شهور - أن يكشفوا وجها سافرا في مجتمع بات يضيق ذرعا بتجليات الإسلام السياسي عامة، وليس فقط الإخوان المسلمين. هذا حال كل التجمعات السياسية التي شكلها إسلاميون، بما في ذلك الذين كانوا على خلاف مع الإخوان المسلمين. أحزاب الجبهة التي تشكلت للدفاع عن محمد مرسي: حزب الوسط، «البناء والتنمية»، «الأصالة» وغيرها لن تستطيع هي الأخرى ممارسة «السفور السياسي» في مواجهة التحديات الشعبية التي تحيط بهم.

في تجربة الأحزاب الشيوعية القديمة، اتجه أعضاؤها وقياداتها إلى تأسيس أحزاب جديدة بأسماء مختلفة تعكس توجهات المرحلة الجديدة. في إسرائيل أحزاب تولد من رحم أحزاب، وانقسامات وانشطارات، وأسماء جديدة تظهر. حين تصل المعادلة إلى الانغلاق الكامل، يصبح من الضرورة البحث عن مخرج جديد، وليس أفضل من الاسم الجديد، والرؤية الجديدة، وأدوات التواصل الجديدة.

الاسم لدى «الإخوان» يعني التنظيم ورسائل الإمام حسن البنا والذاكرة الجمعية للحركة، ويكاد يحتل التنظيم المركز بالنسبة للإخوان المسلمين. الأسماء ليست مقدسة حتى نفني الغالي والرخيص للإبقاء عليها. وإذا كانت مقدسة في مجالات أخرى، فالسياسة لا تعرف المقدس بهذا المعنى. الإسلاميون، الذين يريدون البقاء على الساحة السياسة، يحتاجون إلى أسماء جديدة، ومنهج جديد، وآليات جديدة، ووجوه جديدة.

حتى الآن، لا يبدو أن بين أبناء الجيل الحالي من هو قادر على تخطي المأزق، والاقتراب من المجتمع بشكل مختلف. لم يكن غريبا أن يظهر الدكتور أحمد كمال أبو المجد في المشهد السياسي، وقد كنت أسأل عن سر اختفائه طيلة المائة يوم الماضية منذ سقوط نظام محمد مرسي، وتوقعت أنه سوف يستدعى في محاولة المصالحة نظرا لأنه على صلة بالجانبين: الدولة والإخوان المسلمين، يعرف مؤسسية الدولة وفكر «الإخوان». ولكن حتى تنجح مراميه، يجب أن يدرك الإخوان المسلمون أن المجتمع تغير، الاسم والمضمون يجب أن يتغيرا هما أيضا.

الجيل القابع في السجون حاليا أو الذي يدير المشهد في الشارع لن يستطيع أن يقدم منهجا جديدا. حجته واضحة، أن الإخوان المسلمين ظلوا على اسمهم رغم رفض الأنظمة المتعاقبة لهم من الملكية إلى نظام مبارك، مرورا بحكم الرئيسين عبد الناصر والسادات. خرجوا من هذه التجارب يحملون الاسم، وذات الأفكار رغم اختلاف أساليب التعبير عنها، ولم يكونوا بحاجة إلى التضحية بالاسم، الذي هو بطاقة التعارف المجتمعي، وجزء من الهوية السياسية، ومصدر التضامن. اليوم، الحال مختلف، لم تعد المواجهة بين الإخوان المسلمين والنظام السياسي بقدر ما هي مواجهة بينهم وبين مجتمع لم يعد يقبلهم بصورتهم الأولى.

الإخوان المسلمون وحلفاؤهم يحتاجون إلى ممارسة نقدية جادة، والخروج بخلاصات تقودهم إلى مرحلة أخرى يعيدون من خلالها تقديم أنفسهم. ولكن، من يستطيع أن يأخذ قرارا مثل هذا؟ إنها قيادة غير تلك القائمة، وربما غير موجودة على الساحة، وقد تكون من جيل آخر.

* كاتب وباحث - مدير مركز دراسات التنمية بمكتبة الإسكندرية