استمتع الفلسطينيون في غزة لأول مرة منذ 20 عامًا بأمسية في دار للعرض السينمائي، وبينهم فتاة اسمها «آلاء»، حسب تقرير لـ«رويترز»، لم تشاهد سينما من قبل، فقد كانت رضيعة حينما احترقت آخر دار للعرض السينمائي أثناء قتال بين فصائل فلسطينية، وقالت إنها «مبسوطة جدًا.. لكن أين الفشار؟».
هذا التساؤل البريء هو رسالة معبرة جدًا من مواطنة بسيطة لسياسيي «حماس» الذين اختطفوا القطاع وجثموا على أنفاس الناس في محاولة اتضح أنها عبثية وفاشلة لفرض أسلوب حياة معين على أهالي القطاع، والدخول في مغامرات عسكرية أدت إلى حجم دمار هائل وتشريد عشرات الآلاف، كما أنها رسالة مباشرة لإسرائيل التي تفرض حصارًا متعنتًا على القطاع وتستخدم القوة بشكل مبالغ فيه.
وقد لخصت حلقات التحقيق الذي نشرته «الشرق الأوسط» حول عشر سنوات من حكم «حماس» في غزة الحال، فقد فقدت الحركة الأنفاق والأموال معها، وتغيرت التحالفات في العالم العربي، وطردت قيادة الحركة من سوريا، وأصبحت الطفل المشرد لما يسمى بمحور المقاومة، فقد أصبحت الحركة في وضع لا تحسد عليه، فحتى يرضى بها أصدقاؤها القدامى، عليها أن تتطابق مع سياسات «حزب الله» وإيران المتناقضة مع المصالح العربية.
لقد خاضت «حماس» ثلاث حروب ضد إسرائيل خلال حكمها لغزة وبعد طردها السلطة الشرعية، وكانت النتائج كارثية بسبب عدم التوازن في ميزان القوة. وفي كل حرب يتعرض القطاع إلى دمار كبير، ويدفع الناس العاديون ثمنًا فادحًا يتمثل في معاناة يومية وفقدان فرص العمل أو حتى الأمل في المستقبل، والآن يقول محمود الزهار القيادي في «حماس» إن الحركة لا تسعى إلى حرب مع إسرائيل، «فلا أحد في المنطقة هنا يسعى إلى حرب»، وإن شبكة الأنفاق التي تحفرها الحركة دفاعية.
والحقيقة أن «حماس» إذا كانت تريد أن تجري مراجعة حقيقية لتجربتها في حكم غزة لمدة عشر سنوات، وهي تجربة فاشلة بكل المقاييس، فعليها أن تتخلى عن الهوس الذي ركبها بالأنفاق، فليس هناك معنى لترسيخ ثقافة العيش تحت الأرض لمليوني فلسطيني يزدحم بهم القطاع، فالأنفاق للفئران وليست لبشر يتوقون لتنفس هواء الحرية وميناء مفتوح على البحر.
لم تكن الأنفاق للمقاومة، بل حفرت المئات منها على الحدود مع مصر لتهريب البضائع والسلاح والمسلحين، بما مثل اختراقًا أمنيًا واقتصاديًا كبيرًا لجارة كبيرة لا توجد أي مصلحة للفلسطينيين في استعدائها أو استفزازها مثلما كان يحدث بتعمد نشر صور الأنفاق التي يجري إنزال أبقار وعجول وسيارات فيها لتهريبها، وكانت «حماس» تتقاضى جمارك من المهربين على هذه البضائع.
كل ذلك كان يمكن أن يتم فوق الأرض، ولكن «حماس» اختارت الأنفاق تحت الأرض لتغطية ما هو غير شرعي، ولا توجد دولة ذات سيادة تقبل بأنفاق تحت أرضها لا تستطيع مراقبة ما يمر من خلالها. كان رهان «حماس» على حكومة الإخوان التي سقطت في مصر، ولا ندري إذا ما كانت هناك وعود بمنحهم أراضي في سيناء لتوسيع الرقعة الجغرافية التي يتحكمون فيها أم لا. عمومًا كان رهانًا خاطئًا، وإذا كانت الحركة تريد المراجعة فعلاً، فعليها أن تعترف برهاناتها الخاطئة.
لا وقت لمغامرات أخرى أو مهاترات سياسية، فوضع غزة السكاني سيكون غير قابل للاحتمال بعد 5 سنوات، حسب الأمم المتحدة، وإذا كانت هناك جدية، فيجب تفعيل مشاريع الإعمار التي يبدو أنها بقيت حبرًا على ورق، وتسهيل حياة الناس، مثل عودة دور العرض السينمائي، وإذا كانت هناك رغبة في تنشيط الاقتصاد، فيجب أن تكون التجارة مع مصر فوق الأرض وليست تحتها.
8:2 دقيقه
TT
غزة تدخل السينما
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة