يوجين روبنسون
كاتب اميركي
TT

«سي آي إيه».. خارج المسار

لدينا الآن إثبات أكثر أن وكالات استخباراتنا المزدهرة والتي أُعطيت لها مكانة عالية غير مسبوقة لخوض الحرب ضد الإرهابيين، هي خارج السيطرة بشكل خطير. ولم تكن هناك حاجة للمزيد من الأدلة: فلقد كانت أشهر الكشوف المذهلة عن المراقبة الداخلية الهائلة التي تقوم بها وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) أكثر من كافية، ويرجع الفضل للموظف الهارب إدوارد سنودين الذي كشف عن تلك الملفات. لكن هذا الأسبوع أعلنت إحدى أقوى المدافعين عن سي آي إيه لمجلس الشيوخ أنه قد طفح بها الكيل. إنها ديان فاينشتاين (النائبة الديمقراطية عن ولاية كاليفورنيا) التي ترأس لجنة مجلس الشيوخ للاستخبارات، والتي خاضت حملة من حرب العصابات البيروقراطية لمدة خمس سنوات لمنع اللجنة من القيام بمهمة حاسمة: التحقيق الكامل في التعذيب والاحتجاز السري، وغير ذلك من التجاوزات الفظيعة، التي ارتكبت في عهد الرئيس جورج بوش ونائبه ديك تشيني.
واتهمت ديان فاينشتاين الـ«سي آي إيه» بالتفتيش غير السليم في أجهزة الكومبيوتر التي يستخدمها موظفو لجنة الاستخبارات لمراجعة مستندات سي آي إيه الخاصة «بوسائل التحقيق البديلة» مثل الإيهام بالغرق أو بوضوح التعذيب.
وقالت ديان فاينشتاين إن سي آي إيه فتشت أجهزة الكومبيوتر الخاصة باللجنة، وأعربت عن قلقها العميق من أن ذلك قد يمثل خرقا لمبدأ الفصل بين السلطات الوارد في دستور الولايات المتحدة. وأضافت أنها تعتقد أن سي آي إيه قد تكون انتهكت القانون الفيدرالي المعروف «بالتعديل الرابع» والأمر الرئاسي التنفيذي أيضا.
لدينا الحق في ديمقراطيتنا لنعرف ما الذي تفعله حكومتنا باسمنا. والوكالات التي لديها تفويض بالعمل في الظل مثل سي آي إيه ووكالة الأمن القومي، من الواضح أنها لا تستطيع أن تعلن عن أو حتى تعترف بمعظم أعمالها. والطريقة الوحيدة التي يمكن أن نتأكد بها أن الأمور غير خارجة عن السيطرة هي من خلال الإشراف المدني بواسطة المسؤولين المنتخبين: الرئيس وأعضاء الكونغرس.
مما يصُب في صالح الرئيس أوباما أنه اتخذ إجراءات فورية في بداية فترته الرئاسية الأولى تُجرم التعذيب والاحتجاز السري بالخارج، وغير ذلك من الممارسات المشينة التي وافقت عليها إدارة بوش وتشيني. لكن أوباما قرر اتخاذ أسلوب يتطلع للأمام ولم يبد تحمسا صراحة لأي محاسبة عامة شاملة للتجاوزات الماضية.
وقررت لجنة فاينشتاين أن التعذيب والاحتجاز الفظ كان فاضحا بما يكفي للقيام بـ«مراجعة شاملة وموسعة». وكانت سي آي إيه أتلفت تسجيلات الفيديو الوحيدة لعمليات الإيهام بالغرق التي نفذتها. لكن فاينشتاين قالت: إن هناك الملايين بالفعل من البرقيات ورسائل الإيميل والمذكرات وغيرها من المستندات التي تريد اللجنة فحصها.
وأصر المدير الأول الذي عينه أوباما لـ«سي آي إيه» ليون بانيتا أن يفحص أعضاء اللجنة المستندات - بعد إعادة صياغتها - في موقع آمن في فرجينيا، وتدعي فاينشتاين أن «سي آي إيه» فتشت أجهزة كومبيوتر اللجنة بصورة غير سليمة في ذلك الموقع الآمن، وأن ملفات اختفت من تلك الأجهزة بصورة غامضة.
أما المدير الحالي للوكالة جون برينان فانكر بشكل قاطع قيام الوكالة بأي عمل غير سليم. وفي رسالة إلى فاينشتاين ادعى أن محققي اللجنة هم من تصرفوا بشكل غير سليم بحصولهم على ملف لم تكن الوكالة تنوي تسليمه مطلقا (نوع من الفهرس المفصل المخصص للعمل الداخلي لوكالة الاستخبارات المركزية، مسلطين الضوء على مستندات تظهر الوكالة في صورة سيئة بشكل خاص).
لا تضيعوا في التفاصيل التافهة «قال، قالت». ارجعوا خطوة إلى الخلف قليلا وخذوا نظرة أوسع. فلجنة مجلس الشيوخ التي تعمل نيابة عنكم وعني، ظلت تحاول على مدى خمسة أعوام أداء واجبها في الإشراف المدني على وكالات الاستخبارات. ورغم أفضل الجهود التي بذلتها سي آي إيه، قامت اللجنة بإعداد مسودة تقرير من 6.000 صفحة لكن الوكالة تقاوم نشره بكل ما أوتيت من قوة. إن أكثر المستندات سرية التي تصر الوكالة على إخفائه ليس هو ملف عن «القاعدة»، بل فهرس لتجاوزات وإخفاقات الوكالة.
الآن ارجعوا خطوة أخرى إلى الخلف وانظروا كيف توسع دور سي آي إيه، ليشمل ما قد يعتبره معظمنا عمليات عسكرية، بما في ذلك الطيران وإطلاق طائرات الدرون المسلحة.
انظروا إلى ما كُشف عن جمع وكالة الأمن القومي لمعلومات مكالمات الهواتف. انظروا كيف وسعت محكمة مراقبة الاستخبارات الخارجية السرية في سلسلة من أحكامها السرية، التعديل الرابع والقانون الوطني فوق كل اعتراف.
نريد من وكالة الاستخبارات المركزية أن تكون قادرة على التصرف بقسوة عندما يكون ذلك ضروريا. ونريد من وكالة الأمن القومي أن تكون طموحة للغاية، بدل أن تكون متواضعة للغاية. لكن يكون من واجبنا عندها أن نكون حراسا لهذه الديمقراطية، وأن نصحح المسار عندما يختل بعيدا للغاية.
* خدمة «واشنطن بوست»