علي إبراهيم
صحافي وكاتب مصري، ونائب رئيس تحرير صحيفة «الشرق الأوسط».
TT

.. {مين هناك}؟

قبل أسابيع تحدث الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في مداخلة تلفزيونية بشكل صريح عن حجم المشاكل والتحديات التي يواجهها، مشيرًا إلى أن أولويته هي منع انهيار الدولة. وقال: «إن ما كان موجودًا في 2011 هو بقايا دولة كادت تنهار وما يحدث الآن هو تداعيات 50 عامًا وبالتحديد بعد 1967 تركت فيها الدولة».
حديث السيسي يشير بوضوح إلى الفترة التالية لهزيمة 1967 التي كانت مدوية للمشروع المصري وقتها، واستلزمت عملية حشد لكل طاقات الدولة والمجتمع لمدة سبع سنوات من أجل خوض حرب أكتوبر (تشرين الأول) لتعويض الهزيمة.
وهو ما حدث بالفعل، لكن لكل شيء ثمنه؛ إذ توقف كل شيء في الدولة على صعيد التنمية ومعالجة المشاكل الاجتماعية وتراكمت الأزمات، وتوقف المجتمع عن أن يكون منتجًا وأصبح الشباب كله تحت السلاح وهجر مواطنو ثلاث مدن على القناة، وأصبح الاقتصاد غير منتج.
الكثير من المشاكل التي نراها اليوم هي تداعيات ما حدث على مدار الـ50 عامًا، ومعالجة الحكومات المصرية المتعاقبة للمشاكل بطريقة الترحيل إلى الأمام تجنبًا لغضب الشارع، وقد كانت هناك محاولة في السبعينات لمواجهة حقيقية عن طريق قرارات رفع الدعم لكن الإخراج جاء سيئًا ومن دون تمهيد إعلامي فواجهت الدولة أضخم احتجاجات في تاريخها التي عرفت بـ18 و19 يناير (كانون الثاني) واضطرت الحكومة إلى التراجع سريعًا عن قراراتها رغم أنها كانت صحيحة لإصلاح الاقتصاد.
جزء من أزمة الشرطة المصرية والتي استدعت اعتذارًا علنيًا نادرًا من وزيرها عن بعض تجاوزات لأعضاء منها تعود أيضًا إلى تداعيات الـ50 عامًا ووصول بعض الأنظمة التي ابتكرت إلى طريق مسدود.
ولو عدنا بالذاكرة إلى الوراء سنجد أن أبرز تطويرين في جسم الشرطة حدث في الستينات على يد شعراوي جمعة وزير الداخلية وقتها بإنشاء معهد أمناء الشرطة وتشكيل قوات الأمن المركزي، وقد حدث ذلك في 1968 بعد ما سمي بمظاهرات الطيران، حيث خرج الطلبة في احتجاجات ضد عبد الناصر بعدما صدرت أحكام بدت للرأي العام مخففة ضد قادة سلاح الجو الذين حملوا مسؤولية الهزيمة.
وقتها وجدت الدولة نفسها عاجزة في مواجهة عشرات الآلاف من الطلبة في الشوارع ولم يكن لديها في مواجهتهم غير شرطي الدرك العادي الذي اشتهر بصورة نمطية في أفلام السينما وهو ينادي ليلاً «قف عندك.. مين هناك»، فجاءت فكرة أمناء الشرطة والمجندين.
وقد بدأت مظاهر التململ داخل هذا النظام في الثمانينات بما عرف وقتها بأحداث الأمن المركزي والتي استدعت نزول الجيش إلى الشارع لأول مرة منذ 1952 وكان سببها شائعة لا أحد يعرف مصدرها، وقد كانت بعض الممارسات من الشرطة سببا في 25 يناير 2011. وهي لن تحل في يوم وليلة كما هو واضح الآن من الصدام الحادث والذي استدعى تدخل الرئيس نفسه.
قد يكون الحل في إعادة التفكير في النظام الذي ابتكره شعراوي جمعة في الستينات في ظروف مختلفة واعتمادًا على إمكانات محدودة لحماية الأمن الداخلي مع وجود الجيش على الجبهة.
تخفيض العدد ورفع مستويات الرواتب والامتيازات لقوة محترفة قد تكون إحدى الأفكار.