د. أحمد عبد الملك
كاتب واكاديمي قطري
TT

القمة العربية والتحديات الماثلة!

تعقد القمة العربية يوم 25 مارس (آذار) الحالي في دولة الكويت، في وقت تشهد فيه المنطقة حالة من عدم الاستقرار. ولئن كانت الأوضاع المأساوية في سوريا سوف تكون على رأس الموضوعات المدرجة على جدول أعمال هذه القمة، لأن الحالة المأساوية تتفاقم ولا يبدو في الأفق أي بصيص من أمل لوقف نزف الشعب السوري واستمرار مأساته، فإن تداعيات النزاع القائم في سوريا على دول الجوار أيضا سيكون لها وجود في جدول الأعمال، خصوصا ما يتعلق بالأوضاع في لبنان، الذي شهد في الأيام الأخيرة مجموعة من الانفجارات والانفجارات المضادة من أطراف مضادة، وكذلك موقف حزب الله اللبناني ودوره في مخالفة الموقف اللبناني الرسمي (النأي بالنفس) مما يجري في سوريا، وإرساله عناصره لمناصرة النظام ضد الشعب السوري وثورته، كما يتعلق الأمر بالنازحين السوريين في كل من تركيا ولبنان والأردن وبعض البلدان العربية الأخرى. ويبدو أن الدول الكبرى لم تتفق على إنهاء المأساة السورية، ولربما خططت لإنهاك كل القوى على الأرض، بل وإحراق الأرض بما فيها من بشر وزرع.
وقد يكون الموضوع الثاني أهمية هو «رأب الصدع العربي»، بعد تداعيات ما سمي «الربيع العربي»، واختلال موازين القوى في الدول التي سقط حكامها الديكتاتوريون، ودخلت مراحل الفوضى وتلمس الطريق نحو إعادة تأهيل الشعوب والدولة للدولة المدنية، من دون أن تصل هذه الدول إلى ملاذ آمن واستقرار حكيم يمكنها من إدارة شؤونها بالوسائل السلمية بعيدا عن روح الانتقام والثورات المضادة. ومن هذه الدول مصر، أكبر الدول العربية وأشدها تأثيرا في المحيط العربي، التي لم تعرف الاستقرار منذ بدء ثورة يناير (كانون الثاني) وحصول تغييرات دستورية وهيكلية.
ولم يكن اليمن بمأمن من تداعيات ما بعد نظام علي عبد الله صالح، وانشقاق اليمنيين (شمالا وجنوبا) حول شكل الدولة الجديدة، ثم الاتفاق على الأقاليم الستة (أربعة للشمال واثنان للجنوب)، حيث وقّع الرئيس المؤقت عبد ربه منصور هادي على وثيقة الأقاليم أخيرا. كما يواجه النظام في اليمن قضية بعض المطالبات الجنوبية بالانفصال، وتمركز عناصر كبيرة من تنظيم القاعدة، وأيضا النشاطات المعادية من الحوثيين المناوئين للحكومة.
العراق هو الآخر ما زال تستعر فيه العداوات التاريخية (السنية - الشيعية)، وثقافة «الانتقام» منذ الإطاحة بنظام صدام حسين الديكتاتوري عام 2003، وما زالت تتوالد في هذا البلد الجماعات المتطرفة بأسمائها المختلفة، وتتقاتل قوات سنية مع قوات شيعية والجيش، وما زالت العبوات الناسفة تنفجر دوريا في عدة مناطق في هذا البلد. كما تتشابك عناصر من الجيش ورجال العشائر مع عناصر «داعش» في أكثر من موقع في العراق. ويبدو أن حكومة المالكي عاجزة عن بسط الأمن على كامل التراب العراقي مما يجعل هذا البلد مستمرا في الإرهاب والإرهاب المضاد لأمد غير قصير.
ليبيا وتونس والصومال لديهم همومهم الخاصة والمعقدة، ولم تستقر الأوضاع في هذه الدول، تماما كما هو الحال في السودان الذي يحارب على عدة جهات ويتمزق مع الأيام، خصوصا بعد انفصال الجنوب، وحالات التوتر على الحدود مع دولة الجنوب ومع العناصر المناوئة للحكومة في دارفور والنيل الأزرق، وغيرهما.
موضوع إيران وعلاقاتها مع الجوار العربي أيضا من المواضيع المهمة، خصوصا في ظل رغبة الرئيس الحالي حسن روحاني في تحسين العلاقات مع دول الجوار وكسب ثقة المجتمع الدولي، وهذا ما أدى إلى انفراج محدود في العلاقات الإيرانية - الأميركية، وما ترتب عليه من أمور اقتصادية لصالح إيران، إلا أن ذلك ما زال خلال فترة «التجربة» بعد مؤتمر «5+1»، ومع ذلك فإن التحول في العلاقات الإيرانية - الأميركية ألقى بظلاله على دول الجوار.
بالطبع ستكون هنالك فرصة لبعض «المصالحات العربية»، على ضوء واقع الاختلافات في ما بين بعض الدول العربية، وفي اعتقادنا، فإن خبرة الشيخ صباح الأحمد أمير دولة الكويت الذي سيرأس القمة في إيجاد ستساهم في إيجاد مخارج آمنة لبعض «المنغصات» في العلاقات العربية - العربية.
بالطبع، فإن إصلاح الجامعة العربية من المواضيع المهمة التي ستكون على جدول أعمال القمة العربية، ولقد قامت لجنة تطوير الجامعة – التي ترأسها دولة قطر بحكم أن دولة قطر الرئيس الحالي لجامعة الدول العربية – بإعداد مشروع القرار الخاص الذي سيرفع للقمة، على ضوء نتائج أعمال فرق العمل الأربعة التي التأمت خلال الفترة الماضية. ويتضمن التطوير أربعة محاور رئيسة، الأول يتعلق بتعديل ميثاق جامعة الدول العربية، والثاني يتعلق بأجهزة وآليات الجامعة العربية، والثالث يتعلق بتطوير العمل الاقتصادي والاجتماعي العربي المشترك، والرابع يتعلق بالبعد الشعبي للعمل العربي المشترك.
وفي رأينا، فإن تحقيق تلك المحاور أمر مهم لتحقيق أدنى حدود العمل العربي المشترك، إلا أننا – على ضوء المستجدات السلبية في أكثر من بلد عربي وعدم تحقق الأمن اللازم لتفرغ هذه الدول للعمل العربي المشترك – لا نستطيع التفاؤل بتحقق تلك المحاور، لأن العمل الاقتصادي والاجتماعي المشترك يحتاج إلى أرضية ملائمة من العلاقات المتينة الهادئة بعيدا عن التفجيرات والمظاهرات والنزاعات. كما أن البعد الشعبي غير موجود أيضا في عمل الجامعة العربية منذ إنشائها عام 1945، وظلت الجامعة منذ ذلك التاريخ تجمع دولا عربية وليس شعوبا عربية! لعدم توافق توجهات الدولة مع آمال وطلبات الشعوب.
كما يتضمن مشروع القرار الذي سيعرض على قمة الكويت أيضا تقييم أعمال اللجان وإمكانية ترشيد عملها، وكذلك اعتماد المعايير اللازم توفرها لدى منظمات المجتمع المدني وتحديد علاقة التعاون بينها وبين أجهزة الجامعة العربية. ولكن منسوبي الجامعة لا يدركون «التباس» مفهوم المجتمع المدني في العالم العربي، وعدم دلالة المفهوم على طبيعة النشاطات التي تقوم بها بعض المؤسسات «المحسوبة» على منظمات المجتمع المدني، وكثير من تلك المؤسسات حكومية غير منفصلة عن الدولة، الأمر الذي لا يتوافق مع المعايير الدولية لعمل منظمات المجتمع المدني، كما أن على إدارة حقوق الإنسان في الجامعة أن تعمل مع منظمات المجتمع المدني لا مع الدول.
ولعل خير إصلاح للجامعة العربية هو إصلاحها من الداخل، ونفض ما تراكم على أقسامها وإداراتها من غبار ما يقرب من سبعين سنة، ومراجعة كشوف البطالة المقنعة التي أرهقت ميزانية الجامعة من دون تحقق أدنى ثمار العمل العربي المشترك. كما أن الأمر يحتاج إلى أن تتغير الوجوه في الجامعة عملا بحتمية التاريخ. وما يلفت النظر أن موضوعا واحدا هو «القضية الفلسطينية» له أكثر من عشرة أقسام في الجامعة العربية!
قمة الكويت لا شك مهمة ومفصلية، وتحتاج إلى مصارحة ومكاشفة، وقراءة أوراق الغد بشفافية ونية صادقة وصريحة.
* أكاديمي وإعلامي قطري