يدخل الرئيس باراك أوباما، الذي يقضي عامه الأخير في البيت الأبيض، في حالة الإرث التاريخي. ولدى الرجل الكثير ليفخر به. ولكن إذا أراد لإنجازاته التاريخية أن يصيبها عكر السياسة الخارجية، فسوف يقضي آخر عام له في الرئاسة مضاعفًا من جهوده لاحتواء أزمة لاجئي الشرق الأوسط قبل أن تتحول من مشكلة إنسانية عملاقة إلى مشكلة جيوستراتيجية عملاقة تتحطم على صخورها العلاقة مع أهم حلفاء أميركا على الإطلاق: الاتحاد الأوروبي.
أعلم أن وضع الاتحاد الأوروبي في صدارة مقال منشور في الولايات المتحدة هو بمثابة لافتة «لا تقرأ هذا الخبر». وربما أدعوه باسم «اتحاد ترامب الأوروبي» حتى ينتشر سريعًا. ولكن بالنسبة لاثنين منكم ممن يقرأون مقالتي، فهذا هو المهم فعلاً.
أطلق انهيار سوريا، والصومال، وإريتريا، ومالي، وتشاد، واليمن، إلى جانب سقوط ليبيا، والعراق، وأفغانستان – من دون متابعة مناسبة من جانبنا، أو من جانب حلف شمال الأطلسي، أو من جانب النخبة المحلية – العنان لأسوأ أزمة لاجئين يشهدها العالم منذ الحرب العالمية الثانية. وهذه الموجة العارمة من المهاجرين ليست إلا مأساة إنسانية، وتسبب تدفقات اللاجئين من سوريا وعبر ليبيا على وجه الخصوص زعزعة لاستقرار جميع دول الجوار وهي تونس، والأردن، ولبنان، وإقليم كردستان، وتركيا. كما تلتهم في الوقت الحالي نسيج الاتحاد الأوروبي كذلك.
ولماذا ينبغي على الولايات المتحدة الاهتمام بذلك؟ بسبب أن الاتحاد الأوروبي هو الولايات المتحدة الأوروبية – أي مركز الثقل الكبير الثاني ومحل الفرص الاقتصادية الدولية في العالم الديمقراطي. وللاتحاد الأوروبي عيوبه العسكرية من دون شك، ولكن في ظل الثروات الكبيرة والقيم الليبرالية، أصبح الاتحاد الأوروبي الشريك الرئيسي للولايات المتحدة في التعامل مع قضايا التغييرات المناخية، وإدارة الملف الإيراني والروسي، واحتواء حالة الاضطرابات العاتية التي تعصف بمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا ككل.
ومن شأن تلك الشراكة العريقة تعزيز القوة الأميركية، وإذا تعثر الاتحاد الأوروبي أو تمزق، فسوف تفعل الولايات المتحدة الكثير من الأشياء حول العالم بالقليل من المساعدة.
وفي ندوة عقدت في دافوس بسويسرا، برعاية مركز ويلسون، تقابلت مع السيد ديفيد ميليباند، رئيس لجنة الإنقاذ الدولية، والتي تشرف على جهود الإغاثة في أكثر من 30 دولة من التي مزقتها الحروب. ولقد صرح بعدة نقاط مهمة ورئيسية.
أولا، هناك شخص من أصل 122 شخصا على كوكب الأرض حاليا «يفر من صراع مسلح» في الوقت الذي باتت فيه الحروب بين الدول «عند مستوى منخفض وقياسي»، كما أشار ميليباند الوزير السابق للخارجية البريطانية. ولكن لماذا؟ بسبب أنه لدينا في الوقت الراهن أكثر من 30 حربا أهلية موزعة على مختلف دول العالم وفي دول ذات حكومات ضعيفة و«عاجزة عن تلبية الاحتياجات الأساسية للمواطنين أو احتواء الحرب الأهلية المندلعة على أراضيها».
ثانيا، قال ميليباند إن لجنة الإنقاذ الدولية قدمت المساعدة إلى 23 مليون لاجئ ومواطنين من المشردين داخل بلادهم. وهناك نسبة تقدر بـ50 في المائة من هؤلاء يتحركون مباشرة صوب أوروبا من خارج سوريا وأغلب النسبة الباقية قادمة من العراق، وأفغانستان، والصومال، وإريتريا – ونظام الإغاثة الإنسانية الدولية «غارق حتى أذنيه الآن من أعداد اللاجئين والمهاجرين المهولة».
في العام الماضي، كانت هناك أكثر من 56 مليون شاحنة كبيرة تتحرك بين دول الكتلة الأوروبية إلى جانب تحركات المواطنين التي قاربت على 1.7 مليون تحرك يومي. والمحافظة على حرية حركة الشاحنات، والناس، والتجارة، كما يقول السيد ميليباند، هي من الجوائز الاقتصادية الضخمة، ولكنها لن تستمر إذا شعرت دول الاتحاد الأوروبي أنها غارقة في بحر من اللاجئين الذين لا يمكن تسجيلهم أو استيعابهم على نحو مناسب.
تغلق المزيد والمزيد من البلدان الأوروبية حدودها في الوقت الحالي، في حين تتصاعد هتافات الأحزاب المعارضة لوجود المهاجرين في كل مكان. فرضت السويد الرقابة على الحدود، وانتقل الحزب الديمقراطي السويدي المتطرف من فئة الأحزاب المهمشة إلى أحد أكبر أحزاب البلاد. والكثير داخل ألمانيا، والسويد، والنمسا، التي استقبلت نصيب الأسد من اللاجئين حتى الآن، تريد استبعاد اليونان من اتفاقية المنطقة الخالية من جوازات السفر في الاتحاد الأوروبي إذا كانت اليونان – الميناء الأول لدخول الكثير من اللاجئين – غير قادرة أو غير مستعدة لإيقاف تدفقات اللاجئين عبر حدودها.
وفي الأيام القليلة الماضية، ذكرت صحيفة «الغارديان» البريطانية، تحذير الزعماء المحليين وكبار المسؤولين في الاتحاد الأوروبي من أن المنطقة الخالية من جوازات السفر في الاتحاد معرضة للانهيار خلال أسابيع، مما يعرض الاتحاد برمته لخطر التفكك.
كانت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل تحدوها النيات الحسنة عندما فتحت بلادها لاستقبال 1.1 مليون مهاجر عربي، وأفريقي، وأفغاني العام الماضي، ولكنه كان قرارا متهورا من جانبها أيضا أن تفكر في أن الكثير من المهاجرين، وخصوصا المسلمين منهم، يمكن استيعابهم بسهولة داخل نسيج المجتمع الألماني، وهي الدولة التي استغرق الأمر منها عقدين من الزمان ومليارات الدولارات لاستيعاب ألمانيا الشرقية عقب الاتحاد ما بين الشطرين الشقيقين. ولقد جذبت سياسة الباب المفتوح لميركل المزيد من اللاجئين إلى مختلف دول الاتحاد الأوروبي، والآن يريد الشعب الألماني إيقاف استقبال المزيد من اللاجئين، فإن جيرانهم في أوروبا لن يستقبلوهم بحال.
يقول السيد ميليباند: «إن أزمة اللاجئين الراهنة بمثابة رصاصة مصوبة إلى قلب الاتحاد الأوروبي. وليست هناك حلول تؤدي إلى حصر المشكلة داخل حدود أوروبا». وطالما أن هناك حربا بلا قانون وبلا نهاية في سوريا، فإن تدفقات اللاجئين لن تنتهي، مع كل آثارها السلبية المزعزعة للاستقرار.
لم يكن أوباما هو السبب في المشكلة السورية، ولا يمكنه كذلك إصلاحها بمفرده، كما أن المشكلة لن تنتهي من تلقاء نفسها من دون القيادة الأميركية الفاعلة. إنني أشارك السيد الرئيس في حذره حول الانخراط في المستنقع السوري على الأرض. ولكنني أعتقد الآن أنه ينبغي علينا إلقاء نظرة جديدة على إقامة نوع من المناطق الآمنة تحت إشراف الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وحلف الأطلسي داخل سوريا وليبيا لإيجاد مساحة تستقبل اللاجئين وتسمح لهم بالبقاء في هذه الدول. وذلك ليس حلا سحريا أو خاليا من التكلفة بحال، ولكن السماح لكارثة اللاجئين بتفكيك الاتحاد الأوروبي سوف يكون أمرا ذا كلفة باهظة وكبيرة.
*خدمة: {نيويورك تايمز}
7:44 دقيقه
TT
الأصدقاء واللاجئون المحتاجون
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة