محمد مصطفى أبو شامة
كاتب وصحافي مصري
TT

الجبير يسحق ظريف في مبارزة الـ«نيويورك تايمز».. وبن زايد يغرِّد

كان يناير (كانون الثاني) 2016 هو شهر إيران بلا منازع، بدأته بجريمة وأنهته بغنيمة، وبين الاثنتين دارت دوائر السياسة في مبارزات وسجال دولي وإقليمي لا يعرف أحد منتهاه، إلا صانع السيناريو، ومنتجه، ومخرجه باراك أوباما، ومن خلفه الإدارة الأميركية وصُنَّاع سياستها من أجهزة ومراكز بحثية. وكانت كلمة السر هي «النووي الإيراني»، والإصرار على تفعيل الاتفاق الذي احتضنته العاصمة النمساوية فيينا في يوليو (تموز) الماضي، وهو الاتفاق الذي تعود بموجبه إيران إلى أحضان العالم، بعد تعافيها الظاهري - من وجهة النظر الغربية - من مرض الإرهاب، ويتبدَّل مكانها لتنتقل من خانة «الدولة المارقة» إلى مكانة «الدولة المشرقة»!
ولأنها استهلت الشهر بجريمة إتلاف وحرق سفارة السعودية في طهران، فلقد ظلت إيران طوال أيام يناير تحاول أن تغسل أياديها من عار هذه الجريمة التي مثَّلت انتهاكًا قويًا للقانون الدولي، لهذا لم يكن مفاجئًا أن يدين المرشد الإيراني علي خامنئي الهجوم على السفارة ويصفه بأنه «ضد الإسلام»، وكان الرئيس الإيراني حسن روحاني قد سبق مرشده في الإدانة بأيام، بل ونشرت صحف محلية خبر توقيف 140 شخصًا قيد التحقيق في القضية. بينما أشارت وسائل إعلام عربية إلى وجود دلائل تشير لتورط عناصر من قوات «الباسيج» المنتمية للحرس الثوري الإيراني (الضلع الثالث في معادلة الحكم الإيرانية) في إحراق السفارة السعودية.
ولا تزال العلاقات السعودية - الإيرانية على صفيح ساخن، رغم التضامن العربي الكبير مع المملكة واقتناع المجتمع الدولي بصحة الموقف السعودي؛ لكني أعتقد أن الدولتين «على ضفتي الخليج» قد تخطَّيا مرحلة العودة في الخصومة، خاصة بعد ما دار في مبارزة الـ«نيويورك تايمز» التي تستحق أن توصف بأشرس مواجهة صريحة بين السعودية وإيران، من وجهة نظري. وما زاد من قوتها وإثارتها أنها تمت على صفحات أشهر الصحف الأميركية وأوسعها انتشارًا في العالم.
افتتح النزال، وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف الذي نشر مقاله في 15 يناير، وجاء في مجمله مناقضًا للواقع ومعتمدًا بشكل كبير على المبالغة في محاولة تشويه السعودية والادّعاء عليها بالباطل، ومتجاوزا حدوده الى الشأن الداخلي السعودي في قضية إعدام أحد الإرهابيين ومن معه.
ويكمل ظريف مقاله أو قصته الخيالية بمحاولة إلصاق كل كوارث المنطقة بالسعودية، من اليمن والعراق وإلى سوريا، مدعيا أن بلاده عانت سنوات من الإرهاب، وفي النهاية يشهد الدبلوماسي «الشيرازي» قراء مقاله على أن بلاده قد دعت المملكة للحوار، ولكنها رفضت، وختامًا فهو يناشدها "الحكمة"، حسب قوله!
وكان أول رد فعل خليجي على المقال من وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد والذي «غرد» ساخرًا عبر حسابه على موقع «تويتر»، قائلاً: «بعد قراءة مقال وزير خارجية إيران في صحيفة الـ"نيويورك تايمز" اعتقدت أن الكاتب وزير خارجية دولة إسكندنافية».
ليلتقطها الكاتب والصحافي سلمان الدوسري، رئيس تحرير صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، ويكتب مقالاً بعنوان: «الجمهورية الإيرانية الإسكندنافية»، والذي بدأه مشيرًا ومشيدًا بالتغريدة الإماراتية، قائلاً: «هذا التعليق الساخر يلخّص فعلاً الحالة الإيرانية التي تعاظمت للدرجة التي تريد معاكسة المنطق في كل مناسبة، وخداع العالم بأن الأبيض أسود والأسود أبيض. ظريف حاول أن يبدو بمظهر الوزير الليبرالي القادم من الدنمارك». ويستطرد الصحافي السعودي البارز تاريخ النظام الإرهابي في طهران، والذي وصل ذروته، كما أوضح قائلاً: «أخيرًا بقي أن نشير إلى أن العالم كله يعرف من هي الدولة التي حاولت اغتيال السفير السعودي السابق في واشنطن، وبالتأكيد صحيفة "نيويورك تايمز" وقراؤها أول العارفين».
وتكتمل سخونة المبارزة بأن يكون السفير الناجي من الاغتيال والمشار إليه في مقال الدوسري هو وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، الذي نزل المبارزة ليواجه غريمه «الشيرازي» بمقال قوي وحاسم بعنوان «هل يمكن لإيران أن تتغير؟!»، المنشور في 19 يناير في الصحيفة الأميركية ذاتها، وبعد أربعة أيام من مقال نظيره الإيراني.
بدأ الجبير مقاله مشيرًا إلى أن «العالم يقف مراقبًا لإيران بحثًا عن أي مؤشرات تدل على وجود تغيير، لتتحول من كونها دولة مارقة وثورية إلى عضو محترم في المجتمع الدولي. إلا أن إيران عوضًا عن مواجهة العزلة التي تسببت في حدوثها لدولتها، لجأت إلى تعتيم سياساتها الطائفية والتوسعية الخطيرة، إضافة إلى دعمها للإرهاب من خلال كيل الاتهامات للمملكة العربية السعودية بلا دليل يدعم هذه الاتهامات».
وأكد وزير الخارجية السعودي أن «نهج إيران كان ثابتًا منذ ثورة عام 1979، حيث ينص دستورها على تصدير هذه الثورة، وعمدت إلى دعم الجماعات المتطرفة والعنيفة، بما في ذلك حزب الله في لبنان، والحوثيون في اليمن والميليشيات الطائفية في العراق، كما أن إيران أو عملاءها متهمون بارتكاب الهجمات الإرهابية التي نفذت في العالم».
وفنّد الجبير ملف إيران الإرهابي بكل ما يحويه من جرائم ووقائع شهد عليها العالم. واختتم الدبلوماسي السعودي الكبير مقاله بالقول، إن «السعودية لن تسمح لإيران بالعبث بأمننا، أو بأمن حلفائنا، وسنتصدى لكل المحاولات التي تسعى للعبث به وتهديده».
وأخيرًا، أظن أن «سُكرة» النووي واتفاقه وجوائزه العظيمة التي أمالت «أصحاب العمائم» ستنتهي، ويخفت تدريجيًا صخب أفراح النصر «المزعوم» الذي أوهم البعض بأن كل الأمور ممكنة في سماء طهران التي تجتهد لتعود مشرقة ومشمسة في وجوه الزائرين من كل بقاع الغرب، وسوف يفيق الجميع على شاشة سوداء تعلن نهاية الفيلم «الهوليودي»، بعدها تضاء صالة العرض ليخرج الجمهور.. من دون تصفيق.