محمد بن حسين الدوسري
TT

الاستقرار الأمين بتنفيذ الأحكام على الإرهابيين

في فيلم «Bridge of Spies» يتقمص الممثل الأميركي المميز توم هانكس شخصية محامٍ متخصص في شؤون التأمين والتعويضات، وخلال الحرب الباردة بعد الحرب العالمية الثانية كانت حرب الجواسيس بين القوتين الأميركية والروسية قائمة على قدم وساق، وقد بلغت ذروتها بين القوتين في تلك الفترة، وخلال الخمسينات يتم القبض على جاسوس روسي، ولأن الدستور الأميركي من أعظم ما اخترعه الإنسان خلال القرون الثلاثة الأخيرة فقد حفظ هذا الدستور ورسخ نظرية «Due Process»، أي تمتع أي متهم بإجراءات محاكمة عادلة مهما كانت التهم، فقد انتُدب المحامي لتمثيل هذا الجاسوس الروسي.
وقد واجه المتعصبون محامي هذا الجاسوس بأنه خائن لأنه يمثل جاسوسًا روسيًا أراد أن يُدمر البلد، وقد بذل كل ما في وسعه قانونًا لنفي التهم عن هذا الجاسوس، وقد اعترض على اعتقاله بأنه قد تم من دون إشعار وإذن قضائي، وهذا أمر دستوري إذا ثبت يُسقط التهم حتى ولو كان المتهم قد ارتكب تلك التهم فعلا.. هذا مؤسَّس على نظرية شكلية في اتباع الإجراءات التي رسمها النظام والدستور، وهي مسألة تختلف فيها الاتجاهات التشريعية (خصوصًا إذا كانت الجرائم قد تم ارتكابها من قبل المتهمين وكان عدم إدانتهم فيه يمثل إجحافًا كبيرًا لاستقرار المجتمع خصوصًا لذوي الجرائم)، إلا أن القاضي الأميركي قرر أن حماية الوطن من الإرهاب والقتل والتدمير والمحافظة على استقراره وأمنه تفوق كل نظرية قانونية أو سابقة قضائية، ورفض كل محاولات ذلك المحامي القانونية والدستورية لأن ما قام به ذلك الجاسوس يتعلق بأمن واستقرار وسكينة المجتمع والوطن، ذلك أن التصدي للاضطرابات ومواجهة الحالة الواقعية لترسيخ الفوضى بخلق حالة واقعية آمنة يعنيان أن الثبوت والاستقرار والأمن والأمان والسكينة هي عناصر تحقيق وتثبيت النظام العام، الذي يتأسس في أن المحافظة على المجتمع تأتي بتحقيق الأمن العام والصحة العامة وتحقق السكينة وحماية الآداب العامة لكيان المجتمع، وتلك عناصر وأسس وقيم قد رسختها الدولة المدنية المعاصرة من خلال الأنظمة والقوانين التي صاغت تلك الدولة المدنية على وجه الأرض في جميع دول العالم، ورسخها القضاء وذلك بزرع وتأسيس تلك العناصر كي يحافظ على كيان المجتمعات في الدولة المدنية.
وقد كان التصدي لتفكيك المجتمعات بخلق الفوضى وإجهاض معنى الدولة وانتشار انعدام الأمن والاستقرار هو العمل الحقيقي لأي مفكر أو كاتب أو صاحب فكر حقوقي، إلا أنه وللأسف فقد انتشر بعد إعلان وزارة الداخلية قتل سبعة وأربعين إرهابيًا ومجرمًا بعض من يقف في صف من يزعزع الأمن بفعل إجرامي أو بتحريض عليه بما يشمل القتل أو التفجير أو خلق الاضطرابات في المجتمع لتفكيكه وتقسيمه، وذلك بدعوى حرية التعبير أو فكرة الحقوق، وتلك حالة فكرية إما أن يكون سببها أنها تُسيطر على من لديه ضعف في التصور وقصور في العلم الكلي وخلل في إسقاط قيم الدول الغربية التي قد تغيرت رأسًا على عقب بعد أن ضربها الإرهاب، وإما أن تلك الحالة الفكرية ناشئة عن طائفية مقيتة تختبئ في وقت الرخاء إلا أنها تبقى دفينة تُخرجها الأحداث التي تُمحص الصادق من الكاذب في حب الوطن وتغليب هذا الوطن على الطائفية، وإما أن يكون صاحبها كارهًا ومبغضًا لهذا الوطن ويغيظه الاستقرار والأمن والسكينة التي ينعم بها مجتمعنا، وأن الرؤية السياسية لقادة هذا الوطن قد أخرجته من أحلك الظروف ظلامية وسوداوية في أوقات عصبية وأحداث قد هزت أنظمة دول كانت مضرب مثل في الاستقرار، وخلخلت مجتمعاتها وفككت بنية الأمن والاستقرار بها، فأصبحت تلك المجتمعات بلا أمن ولا استقرار ولا سكينة عامة، فهي لا تمثل مجتمعات مدنية بل هي النقيض لمصطلح المجتمعات.
وقد جعل هؤلاء القادة هذا الوطن بأبنائه ومجتمعه ومؤسساته يسير بسلام يُحير العقول، ويجعل كل منصف يدين لهم بالحكمة والعمق في الرؤية، وتلك الحكمة وهذا الاستقرار تحققا في المؤسسات الأمنية بجميع فروعها ورجالها. وقد تحملت تلك المؤسسات كل الأحمال في سبيل التصدي للجرائم الإرهابية، وقد وضعت كذلك على عاتقها محاربة الإرهاب فكريًا وثقافيًا، لذا فإن لتلك المؤسسات الأمنية أياديَ بيضاءَ لتحقيق أمن فكري وثقافي قد ترسخ وتعمق في هذا السلام والاستقرار الذي يُشبه المعجزة لهذا الوطن وقادته السياسيين المتمثلين في خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي عهده الأمين الأمير محمد بن نايف، وولي ولي عهده ثاقب النظر الأمير محمد بن سلمان.