علي إبراهيم
صحافي وكاتب مصري، ونائب رئيس تحرير صحيفة «الشرق الأوسط».
TT

اتفاقات النار

بقدر ما ترتفع الآمال كلما حدث تطور في سوريا يقود إلى تهدئة ووقف هذه الحرب التي تدرجت من انتفاضة محلية سلمية إلى حرب أهلية ثم الآن حرب ذات أبعاد دولية وإقليمية، فإن هناك خوفًا من أن تقود الترتيبات التي تحدث على الأرض إلى واقع جديد يكرس التقسيم الجغرافي على أساس طائفي، ويستتبعه تهجير وإعادة توطين على الأساس الطائفي.
ملامح ذلك تبدو من الاتفاق الذي نفذ في سوريا أمس وتأمل الأمم المتحدة أن يكون بداية اتفاقات تتوسع في سوريا لوقف إطلاق النار وإنشاء ممرات آمنة تسمح بنقل المساعدات الإنسانية إلى المدنيين الذين حوصروا بين هول ممارسات تتار القرن الحادي والعشرين (داعش) وبطش نظام لا يتورع عن شيء ضد شعبه من أجل المحافظة على البقاء.
الاتفاق الذي نفذ بمساعدة أطراف إقليمية، من الواضح أنها تركيا وإيران، سمح لمحاصرين من مناطق تحت نفوذ الجانبين بالعبور إلى تركيا ولبنان، فالمقاتلون الموالون للنظام سمح لهم بالسفر إلى تركيا للانتقال منها إلى بيروت حيث سيرعاهم حزب الله. أما مقاتلو المعارضة، وهم من السنة الذين تحصنوا في الزبداني البلدة السياحية السابقة، فسمح لهم بالانتقال أيضًا إلى بيروت، حيث سينتقلون منها إلى تركيا. ومن المرجح أن يعود الفريقان، إذا عادا ولم يأخذ بعض منهما طريق البحر إلى أوروبا، إلى مناطق جديدة في سوريا تتفق مع التصنيف الطائفي لهما.
هذا هو الواقع، وهذه هي نتيجة الحروب الأهلية عندما تكون على أساس طائفي أو مناطقي. مأساة سوريا أن انتفاضتها لم تكن طائفية، قد تكون ثورة من بعض المناطق التي تشعر بالتهميش أو عدم المشاركة في خير البلاد، لكنها تدريجيًا جُرّتْ إلى المربع الطائفي، واستغلت كل الأطراف التنوع الذي كانت تتمتع به سوريا لضرب نسيجها الاجتماعي، لتكون هذه نقطة الضعف التي دخل منها تنظيم متطرف مثل «داعش» جلب كل المهووسين في العالم إلى سوريا لتصبح الحرب هناك ضد الإرهاب، وأصبح العالم يفضل ضمنيًا التعامل مع النظام على التعامل مع تنظيمات المعارضة المسلحة. السؤال الآن هو كيفية إلقاء حبل النجاة لسوريا لتفادي هذا الطريق الذي قد يشبه ما حدث ليوغوسلافيا السابقة التي أصبحت عدة جمهوريات، ولا تزال النار تحت الرماد؟
لو بدأت جهود المصالحة والتسوية في سوريا الآن فلن تنتهي قبل سنوات، مثلما حدث في تجارب دول تعرضت سابقا إلى ظروف مماثلة سواء في أفريقيا أو آسيا أو حتى أوروبا، وقد يتطلب الأمر أو يستلزم قوات حفظ سلام على الأرض، أو فرض مناطق آمنة تحقق الأمان لبعض الأطراف، وكذلك تأمين ممرات لوصول المساعدات الإنسانية وعلاج الجرحى.
عادة ما يكون تأثير الدم الذي أهدر عميقًا في النفوس ويستغرق وقتًا من أجل النسيان قد يكون جيلاً أو جيلين، خاصة إذا ما وقعت هذه المآسي بين جيران وأهل بلد واحد. وهذا يفترض من الأطراف كلها، دولية وإقليمية، وضع ترتيبات وإجراءات للمصالحة والتأهيل النفسي لإعادة الحياة إلى طبيعتها، وقد تكون الجامعة العربية هي أفضل طرف مهيأ لذلك باعتبارها الحضن الوحيد لسوريا التي اخترعت القومية العربية وروجت لها، ولديها مصلحة أساسية في الحفاظ على عضو مؤسس ككيان موحد.