علي إبراهيم
صحافي وكاتب مصري، ونائب رئيس تحرير صحيفة «الشرق الأوسط».
TT

حروب التغريدات الإسلامية

أظهر مسح أجراه مركز كارنيغي الأميركي لـ7 ملايين تغريدة باللغة العربية على «تويتر»، أن شبكات التواصل الاجتماعي أصبحت ساحة لاستخدام اللغة الطائفية في الحروب الكلامية التي يشنها مستخدمو الموقع حسب انتمائهم أو الصف الذي يقفون فيه، وكذلك حسب طبيعة الأحداث التي تقع على الأرض سواء كانت تفجيرات أو أعمال عنف أخرى، ولا ينفي ذلك أن هناك الكثير من التغريدات المضادة للعنف الطائفي أيضًا بالعربية.
يحتار المرء فيما إذا كانت تغريدات «تويتر» أو تدوينات «فيسبوك» بالعربية تعكس الرأي أو المزاج العام في البلدان التي تنطلق منها، فرغم أن هناك ملايين أصبحوا يستخدمون الآن شبكات التواصل الاجتماعي للتعليق على الأحداث أو لإبداء الرأي أو تبادل المعلومات مع آخرين، لا يزال هناك ملايين آخرون أكثر عددًا بعيدة عن هذه التكنولوجيا المعلوماتية، وهو ما يجعل البعض يهوّن من تأثير هذه الوسائل على الرأي العام، أو أنها مرآة حقيقية له.
الواقع يقول إنه من الخطأ التهوين من هذه الوسائل، فمستخدموها سواء على «تويتر» أو «فيسبوك» والأدوات الأخرى، هم ناشطون بشكل أو آخر حتى لو كانوا لا يفعلون شيئًا سوى الجلوس وراء شاشات الكومبيوتر ليخوضوا حروبهم في الفضاء الإلكتروني، وبالتالي فهم مؤثرون في أوساطهم ومجتمعاتهم، وقد وفرت لهم هذه الشبكات وسائط سريعة في نقل المعلومات، يكون تأثيرها في بعض الأحيان في سرعة انتشار النار في الهشيم.
وقد ثبت خلال أحداث 2011 وما تلاها أن شبكات التواصل الاجتماعي كانت شديدة الفعالية في التفاعل مع الأحداث ونقل المعلومات صورًا وأخبارًا صحيحة ومغلوطة والتأثير فيها، وأن أكبر أخطاء الأنظمة التي سقطت أمام هذه العاصفة أنها هونت من تأثير هذه الشبكات والجيل الذي يستخدمها باعتبارها «ألعاب عيال»، فجرفتها الموجة.
لقد وفرت هذه الشبكات منصات إعلامية لمن ليس له القدرة أو الإمكانية على أن يكون له إعلامه، فخرجت عشرات المنصات على الإنترنت وشبكات التواصل التي برع فيها المتطرفون وأصحاب الأفكار التكفيرية، وبثوا من خلالها سمومهم، من «دليلك إلى عمل المتفجرات في المطبخ» إلى مشاهد قطع الرؤوس والتفجير والدم والترويع، وهم لديهم فلسفة كاملة في ترويع الناس ونشر الخوف.
وإلى جانب هذه، كانت شبكات المواقع الأصولية أو الإسلام السياسي تنسج جوًا عامًا حاضنًا لفكر التطرف بإيجاد التبرير كلما حدث عنف أو أعمال دموية مثل القول بأن الظلم على المسلمين هو الذي أدى إلى ذلك أو الحديث عن ازدواجية المعايير في العالم، إلى آخر هذه التبريرات التي حفظناها، ولا تؤدي إلى مواجهة حقيقية مع الإرهاب، وتؤدي فقط إلى التشتيت الذهني وتسميم الأفكار عن عمد.
الموجة الجديدة هي هذه اللغة الطائفية المقيتة التي كان يخجل الجميع من استخدامها قبل سنوات معدودة أو تعتبر في مقام العيب، وتثير استنكار الكل على الأقل علنًا، ثم أصبحت اليوم طائفية صريحة بعبارات مباشرة دون خجل على التغريدات والتدوينات لتهدد مجتمعاتنا بفتنة ونار ستحرق وتدمر.
هناك أسباب لذلك بالطبع منها الحروب والحرائق المشتعلة في المنطقة في سوريا واليمن وليبيا والتدخلات في دول أخرى التي توجد فيها أبعاد طائفية وتؤجج هذا المناخ المسموم.
هناك حاجة إلى حكمة وعقل في مواجهة هذا المناخ، وبحث كيفية الحد من هذه الحروب على شبكات التواصل، ومنع استخدام التعبيرات أو الشتائم الطائفية، فهذا على الأقل يحصر نقطة الاشتعال في إطار محدود ويمنع انتقالها إلى إطار أوسع جغرافيًا.