هل نغضب أم نحزن، أو على الأرجح نضحك عاليًا إزاء كل تلك التعليقات والانفعالات التي اجتاحت الرأي العام العربي بعد إسقاط تركيا للطائرة الروسية على الحدود مع سوريا؟ كاد المتفاعلون مع هذا الحدث يطيرون إما فرحًا وحبورًا، وإما ينفجرون غضبًا وحنقًا، وكأنهم في الحالين يملكون السماء التي يتصارع قادة العالم عليها.
بدت المواجهة بين «قيصر» روسيا الجديد فلاديمير بوتين، و«سلطان» تركيا رجب طيب إردوغان، مادة سجال لن تنتهي سريعًا، فكل الظروف الإقليمية والمحلية لا تشي باحتواء وشيك سياسيًا على الأقل. وطبيعة الخصمين متشابهة إلى حد لافت للنظر، خصوصا لجهة تلك الأنا المتضخمة التي يملكها كل منهما، مما يجعل المواجهة تأخذ أبعادًا أخرى تتجاوز الخلاف على سوريا ومصير بشار الأسد لتصبح منازلة شخصية.
لا ينبغي ونحن ننظر إلى ما يحصل اليوم أن نغفل طبيعة الإرث الذي يحمله كل من بوتين وإردوغان، فليس مصادفة أن كلاً من الزعيمين تداعبه أحلام العظمة وأمجاد الماضي الحافل بحروب ومنازلات كبرى بين الإمبراطوريتين الروسية والعثمانية. هذا التاريخ أغوى المنقسمين في عالمنا العربي وجرفهم خلف وهم عظمة القيصر وسحر قوة السلطان، فشرعوا يتحاربون على «فيسبوك» و«تويتر» باسمهما، ليصبح الجمهور العربي وكأنه سليل أباطرة الروس أو وارث سلطنة بني عثمان.
المنحازون للقيصر الروسي، سواء أكانوا سوريين من داعمي بشار الأسد أو مصريين مفتونين بالرئيس عبد الفتاح السيسي الخصم اللدود لإردوغان أو أقلويين يرون أن «داعش» خطر وجودي وحيد، هؤلاء جميعهم يفرحهم غضب بوتين، ويرون فيه مصدر قوتهم المستجد. أما المسبحون بحمد إردوغان، من سوريين معارضين للأسد ومن عرب مناوئين لإيران وللمحور الممانع، فهؤلاء كادوا يطيرون ابتهاجًا بسلطانهم العثماني وهو يطيح بطائرة القيصر، محاولين عبره استعادة أوهام ماضي أمة يلهجون بتاريخها.
طبعًا، سمح الإنترنت ومنصات التفاعل للجمهور بأن يعبر بأطرف الطرق وبأكثرها سخرية، وهذا ما يجيده في الغالب مرتادو تلك الصفحات، لكن المبالغات والأوهام التي وقع فيها أغلب المعلقين والمتفاعلين أوحت وكأن مطلقي تلك التعليقات يستعيضون عن قلة حيلتهم وأزمتهم بقوة أخرى جسدها في هذه الحالة بوتين وإردوغان.
هنا لا ينبغي أن نستغرق كثيرًا في سلبيتنا تجاه هذا الحدث، إذ على قدر ما تبدو المواجهة بين فلاديمير بوتين ورجب طيب إردوغان مثيرة على قدر ما هي خطيرة علينا جميعًا. صحيح أن قادة العالم مهتمون بالتوتر الحاصل، لكنه اهتمام البعيد، فالحرب خارج نطاقهم الجغرافي، أما العرب سواء احتفلوا أم اختلفوا أم سخروا فهم أكثر من سيختبر معنى أن تتصارع الدول في سمائهم وتسقط الصواريخ عليهم وعلى أرضهم.
ليس من الحكمة والحال هذه تجاهل حقيقة أن النموذج القيادي لكل من بوتين وإردوغان متشابه إلى حد كبير، فكلاهما معجب بنفسه على نحو استعراضي، ويمارس حكما بشكل أحادي وإلغائي تجاه الخصوم. إنه أسلوب سمح لبوتين باجتياح جورجيا وأوكرانيا، فيما سمح لإردوغان بقصف الأكراد في سوريا ممن يقاتلون «داعش». كلا الزعيمين يتحرك بدافع شخصي، ويميل للتصرف بناء على ضغائن تجاه القادة الآخرين، وهذا ما لا يتردد أي منهما في إظهاره.
في مشهد معقد كالوضع السوري، وفي هذه الفوضى العالمية من حولنا، يبدو الانجراف وراء أوهام عظمة أحد، حتى لو تطابق مع موقفنا مرحليًا، أمرًا ساذجًا سيقود صاحبه إما إلى نشوة انتصار مرحلي واهم يذوي سريعًا، وإما إلى هزيمة ماحقة يصعب القيام بعدها.
فمهلاً أيها المحتفلون.
diana@ asharqalawsat.com