زاهي حواس
عالم آثار مصري وخبير متخصص بها، له اكتشافات أثرية كثيرة. شغل منصب وزير دولة لشؤون الآثار. متحصل على دبلوم في علم المصريات من جامعة القاهرة. نال درجة الماجستير في علم المصريات والآثار السورية الفلسطينية عام 1983، والدكتوراه في علم المصريات عام 1987. يكتب عموداً أسبوعياً في «الشرق الأوسط» حول الآثار في المنطقة.
TT

أسرار التحنيط عند الفراعنة

ظل علم التحنيط سرًا من أسرار الفراعنة؛ وكل معلوماتنا عن التحنيط وخطواته كانت مبنية على ما ذكره المؤرخ اليوناني هيرودوت، الذي زار مصر في نحو 500 قبل الميلاد. والمثير حقًا أن الاكتشافات الأثرية الحديثة؛ التي تمت منذ سنوات قليلة، تمدنا بمعلومات غاية في الأهمية عن علم التحنيط، الذي يصفه البعض أيضًا بأنه كان فنًا رفيع المستوى، مارسه الطبيب المصري القديم – أول من درس ووضع علوم التشريح في العالم. ويعتبر الكشف عن المقبرة رقم 63 بوادي الملوك، التي تقع أمام مقبرة توت عنخ أمون، أولى محطات الكشف عن أسرار التحنيط المصري القديم.
عثر بداخل المقبرة 63 - التي كشفت عنها بعثة جامعة ممفيس الأميركية برئاسة الدكتور أوتو شادن - على ثمانية توابيت داخلها مواد التحنيط، التي استعملها المحنط المصري في تحنيط مومياء الملك توت عنخ أمون؛ حيث تأكد أن هذه المقبرة هي مجرد خبيئة لدفن بقايا تحنيط مومياء الفرعون الذهبي توت عنخ أمون. وقد استطاع الفريق المصري لدراسة المومياوات الملكية، الذي شرفت برئاسته، دراسة المومياوات باستخدام جهاز الأشعة المقطعية؛ وذلك بعد أن كانت المومياوات تدرس عن طريق فحص أشعة إكس X - Ray؛ الذي لا يعطي صورة واضحة، على عكس الأشعة المقطعية التي يمكن من خلالها الحصول على معلومات دقيقة عن كل جزء بالمومياء.
نعرف أن تجفيف جثمان الفرعون بملح النطرون يستغرق نحو أربعين يومًا، ولذلك فما زال الموروث الشعبي المصري يحتفل بمرور ذكرى الأربعين يومًا على المتوفى. بعد الانتهاء من عملية التجفيف تستكمل عمليات التحنيط لمدة شهر آخر. وعرفنا من هيرودوت أن المصريين القدماء كانوا يقومون بإزالة المخ من الرأس، وذلك إما بكسر العظمة القفصية والدخول بخطاف عبر الأنف وبعد إذابة المخ يتم إخراجه من الأنف، أو عن طريق فتحة صغيرة عند مؤخرة الرأس يقوم المحنط بفتحها بالرأس. والحقيقة أن دراسة مومياوات تحتمس الأول والثاني والثالث تم التأكد من وجود المخ بالرأس، ولذلك فإن التخلص من المخ لم يكن دائمًا التكنيك المتبع في تحنيط أجساد الفراعنة؛ على الرغم من أن المخ قد تم تحريكه من مكانه في رأس توت عنخ أمون، ووضعت كميات من الراتنج؛ وبفحص بعض مومياوات الأسرة الـ19 وجدنا أن المخ أزيل تمامًا من الرأس، ووضعت كرات من الكتان المغمور في الزيوت الراتنجية بدلاً من المخ. وبالطبع لم يفرق هيرودوت بين مومياوات الأسرة 18 والأسرة 19؛ وقال: إن المحنط المصري قام بوضع بودرة أحجار وزيوت وتراب وكتان داخل الرأس؛ ولكن في مومياء مرنبتاح ابن رمسيس الثاني عمد المحنط إلى وضع كتان فقط داخل تجويف الجمجمة.
ومن الغريب أن المحنط المصري القديم استعمل أساليب مختلفة في التحنيط ولم يلتزم بطريقة واحدة، حتى إنه من الصعب أن تجد مومياوتين متشابهتين تمامًا من حيث أسلوب التحنيط والمواد المستعملة فيه. هذه المواد يبدو أنها كانت باهظة الثمن لدرجة أنه كان يتم الاقتصاد فيها بشتى الطرق.. حتى إننا وجدنا مومياء يويا أبو الملكة الشهيرة تي زوجة باشا الفراعنة – أمنحتب الثالث - قام المحنطون بإخراج المخ وغسل التجويف بالراتنج، ولم يتم وضع أي مواد بها، مما قد يشير إلى ارتفاع تكاليف مواد التحنيط.
وعلى الرغم من معرفتنا الآن بالكثير من أسرار التحنيط، فإننا لا نستطيع أن نجزم بأن كل شيء عن التحنيط قد تمت معرفته تمامًا، وذلك على الرغم من أن هناك حول العالم من قام بتحنيط جسده على الطريقة الفرعونية، ولا شيء يضمن نجاح ما تم لهم من تحنيط!