جوش روغين
صحفي أميركي
TT

أميركا وحدها تعتقد أن روسيا ستتخلى عن الأسد

أطلقت إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما عملية دبلوماسية جديدة، يوم الجمعة الماضي، لحل الأزمة السورية، وهي مناورة تعتمد على روسيا لدفع الرئيس الروسي بشار الأسد في نهاية المطاف للتنحي. ورغم ذلك، لا تعتقد أي دولة، ولا حتى حلفاء الولايات المتحدة، أن روسيا سوف تتخلى عن دعمها للديكتاتور السوري.
اجتمع ممثلو جميع الدول الداعمة للقوات التي تشارك في الحرب الأهلية في سوريا لمدة تسع ساعات في فيينا، وبعد ذلك قال كبار المسؤولين الأميركيين إن المحادثات الجديدة حققت بعض التقدم في تحديد الأهداف المشتركة، مثل الحفاظ على وحدة الأراضي السورية وإنهاء العنف. واتفق الدبلوماسيون من الولايات المتحدة وروسيا وإيران والسعودية وتركيا وعدة دول أخرى على الاجتماع مجددا في غضون أسبوعين. ولم يتوصل الدبلوماسيون إلى اتفاق بشأن القضية الرئيسية، المتمثلة في إجبار الرئيس الأسد على ترك منصبه كجزء من الانتقال إلى الحكومة السورية الجديدة.
وذكر أنتوني بلينكن، نائب وزير الخارجية الأميركي، خلال حديثه بمؤتمر «حوار المنامة» الذي أقامه المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في البحرين، يوم السبت، أن حكومة الولايات المتحدة تعتقد أنها مجرد مسألة وقت قبل أن تدرك موسكو أن تدخلها العسكري ودعمها المتحمس للنظام السوري هو شيء خاطئ، وبعدها قد تدعم الحكومة الروسية عملية سياسية تشمل استبدال الأسد.
وقال بلينكن: «إن التدخل الروسي في سوريا هو خير مثال على قانون العواقب غير المقصودة». وأضاف: «أولا، سوف يزداد تأثير روسيا على الأسد. لكن ثانيا، سوف يزداد تأثير الصراع على روسيا. وهذا سوف ينشئ حافزا مقنعا لروسيا من أجل العمل مع - وليس ضد - الحل السياسي».
ولن تتمكن روسيا من مواصلة تدخلها العسكري في سوريا لفترة طويلة، بحسب بلينكن، وسرعان ما تجبر التكاليف الاقتصادية والسياسية والأمنية روسيا على إعادة تقييم سياستها في سوريا. وتابع بلينكن أن روسيا سوف تنزلق إلى مستنقع، معربا عن ثقته بأن روسيا سوف تدرك أنه من أجل إيجاد حل في سوريا، لا بد من الاتفاق على رحيل الأسد.
ومضى بلينكن يقول: «تمتلك روسيا خيارا الآن بشأن كيفية المضي قدما، ونود أن نرحب بخيارها الصحيح الذي يعزز مصالحنا المشتركة».
وفي أعقاب تصريحات بلينكن، عارضت مجموعة من المسؤولين والخبراء من الدول المتحالفة مع الولايات المتحدة في سوريا صراحة، الادعاء أن هناك فرصة كبيرة تكمن في احتمالية خضوع روسيا لوجهة النظر الأوروبية بشأن مستقبل الأسد.
أخبرني وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند أن لديه سببا وجيها للتشكك في هذا التفاؤل الأميركي.
وأضاف هاموند: «هناك مدرسة فكرية تقول إنه طالما انزلق الروس في هذا الصراع، سيكون هناك مزيد من التطلع للتوصل إلى حل سياسي». وتابع: «لكن هذا ليس تقييما حكومتيا».
وذكر هاموند أنه تحدث مع نظيره الروسي سيرغي لافروف في فيينا بعد اختتام المحادثات، وأخبره لافروف أن روسيا ليس لديها أي مرونة بشأن قضية رحيل الأسد. ولفت هاموند إلى أن موقف روسيا بشأن الأسد، هو موقفها نفسه قبل ثلاث سنوات، ومن المرجح أنه سيظل كما هو. وتقول روسيا إن الأسد هو رئيس منتخب، ولا يمكن استبداله إلا عن طريق الانتخابات.
وسيكون هناك «خلاف مباشر مع من يعتقد منا أن الأسد لديه كثير من الدماء على يديه، لدرجة أنه ينبغي عليه الرحيل، قبل التوصل إلى حل سياسي مستدام في سوريا»، بحسب هاموند.
ولم يستجب وزير الخارجية الروسي لطلب بالتعليق على الأمر. لكن لافروف قال مرارا إن «مصير الأسد كان قرار السوريين وحدهم، وإن روسيا لن تتفاوض عن موعد رحيله».
وتحدث وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، خلال مؤتمر «حوار المنامة» عقب بلينكن، قائلا إنه «من أجل بداية أي حل سياسي حقيقي في سوريا، يجب على روسيا وإيران سحب قواتهما من سوريا والاتفاق على موعد وسبل رحيل الأسد». وأكد الجبير على أن السعودية ستواصل تسليح المعارضة السورية لحين اتفاق روسيا وإيران على هذين الشرطين.
وعارض فرنسوا هايسبورغ، رئيس المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، ومسؤول كبير سابق في وزارة الخارجية الفرنسية، تصريحات بلينكن بأن روسيا سوف تشعر بالضغط بسبب تكاليف التدخل في سوريا، قائلا: «سأكون مندهشا للغاية إذا لم تستطع روسيا مواصلة مثل هذا التدخل، رغم الصعوبات الأخرى التي تواجهها، حتى نهاية الدورة الانتخابية الأميركية في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام المقبل على الأقل»، وبعبارة أخرى، تنتظر انتهاء إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما، والتعامل مع الرئيس المقبل.
وأخبرني مكسيم شيبوفالينكو، باحث كبير في مركز تحليل الاستراتيجيات والتكنولوجيات في موسكو، أن تفكير روسيا هو أن التدخل العسكري قد ينجح بالفعل، وأن الأسد قد يبقى في السلطة. وفي كلتا الحالتين، لا توجد احتمالية تفاوض الحكومة الروسية على رحيل الأسد في أي وقت قريب.
وأضاف شيبوفالينكو: «نؤمن إيمانا راسخا بأن السوريين سوف يقررون لأنفسهم».
ماذا لو كان افتراض الحكومة الأميركية خاطئا، ولم تضطر روسيا للتوصل إلى حل سياسي في سوريا؟ هل تعتمد إدارة أوباما اعتمادا كبيرا على روسيا للضغط على الأسد؟
أشار بلينكن إلى أن الجهود الأميركية لبناء جماعات المقاتلين لمحاربة داعش هي دليل على أن الولايات المتحدة لا تزال تمارس ضغوطا على الأسد. ولم يذكر على وجه التحديد القوات الخاصة - وقوامها 50 فردا - التي أعلنت واشنطن مؤخرا أنها سترسلها إلى شمال سوريا.
أخبرني بلينكن: «سوف تتمتع القوات السورية التي تدعمها واشنطن لمقاتلة (داعش) أيضا بوضع يساعدها على تهيئة الظروف للانتقال السياسي في بلادهم». وتابع: «وسوف نواصل العمل على تعزيز دعمنا لتلك القوى».
وتقول إدارة أوباما منذ فتربة طويلة إن دعمها للمقاتلين السوريين في مقاتلة «داعش» ليس موجها للأسد. وعلى أي حال، تراجع الدعم الأميركي للمقاتلين ضد الأسد، وبخاصة بعدما ألغت الولايات المتحدة برنامج «التدريب والتجهيز» الذي يهدف إلى تمكين المقاتلين المحليين.
وبشكل خاص، أخبرني دبلوماسيون أوروبيون خلال المؤتمر أنهم يشعرون بالقلق من أن الجهد الدبلوماسي الجديد، الذي تقوده الولايات المتحدة كان مجرد لفتة فارغة، للسماح لإدارة أوباما بالادعاء أنها تعمل بجدية لحل أزمة سوريا. ويتردد حلفاء أميركا في الاستثمار في عملية لا يعتقدون أن الولايات المتحدة تمتلك ثقة كبيرة حيالها، وأن فرص نجاحها ضئيلة.
وأخبرني مسؤولون أميركيون أن محادثات فيينا مع روسيا وإيران والسعودية وتركيا وغيرها من الدول، هي محاولة صادقة لإقناع روسيا بتغيير موقفها في سوريا، وأن هناك أملا في تأييد روسيا التوصل إلى حل للحرب الأهلية السورية لا يتضمن بقاء الأسد في السلطة. لكن لا توجد أي دولة أخرى في المؤتمر تشارك أميركا هذا الأمل.
*بالاتفاق مع بلومبيرغ