نوح سميث
كاتب في «بلومبيرغ»
TT

الكونغرس يجعل الحياة أصعب للاقتصاد

قضى البروفيسور البريطاني أنغوس دايتون، الأستاذ في جامعة برينستون الأميركية، والحائز جائزة نوبل في الاقتصاد هذا الأسبوع، معظم حياته المهنية في العمل الشاق المتمثل في تحسين البيانات الاقتصادية، الذي به نعرف الفرق بين النظريات الخاطئة والصحيحة. ويجري العلماء تجارب؛ حيث يجمع الاقتصاديون البيانات ويجرون تحليلاً إحصائيًا عليها. ومن دون البيانات، لن يقوم الاقتصاديون بمهمة العلماء أبدًا.
لذلك من الأخبار السيئة أن يقلص المشرعون الأميركيون التمويل المخصص لمكتب إحصاءات العمل.
يعد مكتب إحصاءات العمل أحد أهم وكالات جمع البيانات الاقتصادية في الولايات المتحدة. وتأتي كل إحصاءات التوظيف والتضخم وغيرها من الدراسات الاستقصائية التي يجريها المكتب.
وللأسف، يدفع الكونغرس - الذي يسيطر عليه الجمهوريون - مكتب إحصاءات العمل نحو الانهيار. وخلال السنوات الخمس الماضية، تقلص التمويل المخصص للمكتب في ظل ارتفاع معدل التضخم، مما يعني أن ميزانية المكتب - من حيث القيمة الحقيقية - انخفضت بنسبة 10 في المائة. والآن يقترح مجلس الشيوخ خفض التمويل بنسبة 4 في المائة إضافية - من حيث القيمة نفسها - هذا العام.
ويعتبر خفض التمويل للمكتب بمثابة لعبة خطيرة. كما أن الفوائد المترتبة على هذا التقليص ضئيلة للغاية. ومن المقرر أن يوفر خفض التمويل 13 مليون دولار، أي نحو 0.002 في المائة من الميزانية التقديرية الفيدرالية. وعلى سبيل المقارنة، هذا يعادل متوسط ادخار كل أسرة دولارًا واحدًا تقريبًا في العام. هذا لا شيء، ولا حتى غيض من فيض.
ورغم ذلك، يترتب على هذه التخفيضات الضئيلة في التمويل تأثير كبير على قدرة المكتب على إخبارنا بما يحدث للاقتصاد. وفي عام 2014، اضطر مكتب إحصاءات العمل إلى خفض الإنفاق على أحد برامجه الرئيسية، الإحصاء الربع سنوي للعمالة والأجور. واضطر تقريبًا إلى خفض الإنفاق على برنامج آخر يجمع البيانات عن الواردات والصادرات.
ويكون خفض الإنفاق على مثل هذه البرامج والدراسات الاستقصائية الأخرى التي يجريها مكتب إحصاءات العمل كما لو أننا نُعمي أنفسنا عمدًا. ويرجع السبب إلى أن برامج المكتب تجعلنا ندرك إذا ما كان الاقتصاد يتهاوى أم يتعافى، وإذا ما كان العجز التجاري يتقلص أم ينمو، وإذا ما كان الأميركيون يحصلون على وظائف أم يخسرونها. ويشرح بعض كبار الاقتصاديين: كاثرين أبراهام، وستيفن ديفيس، وجون هالتيوانجر، الآثار السلبية الناجمة عن خفض التمويل:
تدفع النشرات الإحصائية لمكتب إحصاءات العمل الأسواق المالية إلى الأمام، أحيانًا بشكل كبير. ويعد ملخص الوضع الوظيفي هو التقرير الإحصائي الأكثر قراءة وتأثيرًا في العالم. ويجذب موقع المكتب أكثر من 18 مليون مشاهدة للصفحة كل شهر (دون حساب الكثير من الشركات التي تدخل على بيانات المكتب عبر القنوات الأخرى). ويعتمد مقدمو البيانات التجارية، والمحللون، والوسائل الإعلامية، وصناع القرار، على إحصائيات المكتب، ويصدرون تقارير بشأنها بشكل يومي.
وكذلك تعتمد التعديلات على تكلفة المعيشة للتأمينات الاجتماعية، والتأمين ضد الإعاقة، والمعاشات التقاعدية الفيدرالية، بشكل مباشر على تحركات مؤشر أسعار المستهلك الذي يصدره مكتب إحصاءات العمل. وكذلك الحال بالنسبة لضريبة الدخل، والإعفاءات الضريبية والخصومات، ومقاييس ائتمان ضريبة الدخل المكتسب.
وبعبارة أخرى، لا تعد بيانات مكتب إحصاءات العمل ضرورية فقط للمناقشات حول السياسات العامة الإنتاجية والمستنيرة. وكذلك ليست ضرورية فقط لمساعدة الاقتصاديين على تطوير واختبار نظريات أفضل حول سبب الركود والتضخم وعجز التجارة. وإنما نحتاجها حقًا لتنفيذ مهام الحكومة الأساسية.
لماذا يشكل الكونغرس خطرًا على الآليات الأساسية للحكومة مقابل توفير قدر ضئيل من المال؟ قد يعد هذا جهلاً بسيطًا، ويبدو أن المشرعين وأعوانهم يخفضون التمويل المخصص لقائمة من البرامج الحكومية، ويقلصون بعض التمويل من كل برنامج أمامهم دون أن يفهموا حقًا ما تقوم به تلك البرامج. إنهم يجرون تخفيضًا في الإنفاق على كل البرامج على حد سواء.
وربما الاحتمالية الأكثر رعبًا أن الساسة الأميركيين لا يعتقدون حقًا أن البيانات الاقتصادية مهمة. ومن شأن تلك البيانات أن تمكن الحكومة من إدارة برامجها، بينما يعتقد الكثير من الساسة أن البرامج الحكومية يجب أن تشهد تقليصًا في النفقات بشكل عام. وخلال ثمانينات القرن الماضي، اقترح المحافظون استراتيجية «تجويع الوحش»، التي تجبر فيها التخفيضات الضريبية الحكومة على الحد من الإنفاق. وقد أخفقت هذه الاستراتيجية. وسيكون من المحزن جدًا إذا كان خفض التمويل لمكتب إحصاءات العمل جزءًا من استراتيجية جديدة لـ«إرباك الوحش».
وأيًا كان السبب، تعد تخفيضات نفقات مكتب إحصاءات العمل جزءًا من اتجاهين مفزعين في أولوياتنا التشريعية: تقليص تمويل البحوث، وتجاهل أهمية العلوم الاجتماعية. وفي هذه الحالة، سيكون من الخطأ عرقلة عمل مكتب يفعل الكثير لمساعدتنا حقًا على فهم الاقتصاد حولنا.

* بالاتفاق مع بلومبرغ