نبيل عمرو
كاتب وسياسي فلسطيني
TT

هل هنالك انتفاضة ثالثة؟

السؤال الذي يتردد في جميع مراكز القرار المتصل بالشأن الفلسطيني الإسرائيلي هو: هل ما يجري على الأراضي الفلسطينية بداية لانتفاضة ثالثة أم ماذا؟
هنا لا يحبذ تصديق كل ما يقال على ألسنة الفلسطينيين، الذين يدعون إلى مواجهات دائمة بالسلاح مع الإسرائيليين، كما ينبغي كذلك عدم إساءة فهم القيادة الرسمية ذات الخطاب المتشدد، التي في واقع الأمر لم تغادر منطقة الرهانات السياسية وفق المواصفات الدولية.
إن تكرار الانتفاضة الثالثة أمر بحاجة إلى مقومات هي ذاتها التي أدت إلى اندلاع الثانية وإدامة عملها على مدى سنوات طويلة، وأهمها وجود زعيم شعبي مؤثر في الساحة الفلسطينية، كان استخدام السلاح هو أحد خياراته، هو ياسر عرفات، وثانيها اكتظاظ الضفة وغزة بالسلاح، وثالثها القدرات التي توفرت في حينها بضرب إسرائيل في العمق من خلال العمليات التفجيرية التي ألحقت أذى بالغًا بالأمن الإسرائيلي، مثلما قوضت الاحتمالات المنطقية لاستئناف العملية السياسية بالزخم ذاته الذي كانت عليه في عهد رابين.
إن غياب هذه العوامل الأساسية أو ضعف حضورها الفعال في تحديد مسار الوضع السياسي أدّى إلى نتيجة منطقية ومحددة هي أن العلاقات الجديدة التي فرضتها خلاصات الانتفاضة الثانية بين الإسرائيليين والفلسطينيين تسمح بحالة وسطية وهي هبات شعبية متسلسلة تتصاعد ثم ما تلبث أن تهدأ، وهذا الوضع مرشح للاستمرار ما دامت إسرائيل حريصة على إلغاء الجانب السياسي في العلاقة مع الفلسطينيين لمصلحة تعميق الجانب الاحتلالي والاستيطاني والأمني وحتى الانتقامي بالصورة التي نراها في سياسة القبضة الحديدية التي أعلن عنها مؤخرًا مع أنها السياسة الإسرائيلية الوحيدة المعتمدة في التعامل مع الفلسطينيين دون تمييز بين معتدلين ومتشددين.
هنالك نظرية ثبتت صدقيتها بالتجربة، وهي أن غياب المحاولات السياسية الجدية يستنبت تلقائيًا عنفًا متبادلاً إن لم يكن بمبادرة فردية أو جماعية من جانب المقاومين الفلسطينيين، فهو يأتي من خلال رؤية المتشددين الإسرائيليين بأن الظرف يلائم تطوير مخططاتهم الاستيطانية، معتمدين كذلك على أنهم يحكمون في إسرائيل ويؤثرون بصورة فعالة في قراراتها، إلا أن الفلسطينيين بالمقابل، وهذا إجماع شعبي، يشعرون بفداحة استفراد الإسرائيليين بهم، فيقدمون على أعمال يحمون بها قدر ما يستطيعون قضيتهم الوطنية، وليس بالضرورة أن تكون هذه الأعمال مخططة وفق أجندات الفصائل، لأنها على الأغلب مبادرات فردية، ومعظم العمليات التي وقعت في القدس تنتمي إلى هذا النوع الجديد من المقاومة.
الفلسطينيون إن هدأوا فذلك بفعل محدودية إمكانياتهم، وإن لجأوا إلى العنف فبفعل التمادي الإسرائيلي في قهرهم، وهذه معادلة لا تفرز إلا أعمالاً متسلسلة بين الخفوت والاشتعال، وفي حال غياب فعل سياسي مقنع وفعال فلا أحد يعرف على وجه اليقين إلى متى يستمر هذا الوضع.
هذه هي حقيقة الأوضاع كما أراها في الدائرة الفلسطينية الإسرائيلية، وإذا كان لا بد من وصفها بجملة واحدة فبالإمكان القول: «في غياب أي جهد سياسي مقنع تظل الاضطرابات مستمرة، فلا هي استنساخ عن الانتفاضة الثانية ولا هي سكون طويل الأمد يمكن لإسرائيل والفلسطينيين والعالم البناء عليه».