حصل كل من توقع أو أمل في امتلاك الرئيس الروسي بوتين لمفتاح هزيمة «داعش» أو إحلال السلام في سوريا على جوابهم: لم تستهدف الضربات الجوية الروسية الأولى داخل سوريا مواقع التنظيم الإرهابي مطلقًا.
بدلاً من ذلك، تابع بوتين عن كثب تنفيذ قواعد اللعبة التي وضعها الرئيس السوري بشار الأسد. نادرًا ما شنت قوات الرئيس السوري هجومًا حادًا وحقيقيًا على قوات «داعش» ما لم تُجبر على ذلك إجبارًا. وفي واقع الأمر، ظل الأسد ينظر إلى قوات التنظيم المتطرف باعتبارها من أوثق حلفائه، في محاولة من جانبه لإقناع المجتمع الدولي أن الحرب السورية تتألف من أحد خيارين لا ثالث لهما؛ إما الأسد أو الهمجية الوحشية. وقال بوتين في خطابه أمام الجمعية العامة هذا الأسبوع إن «الأسد يحارب الإرهاب بكل بسالة وشجاعة ووجهًا لوجه».
كلا، فالأسد لا يفعل شيئًا من ذلك أبدًا. لخلق حالة الخيارات الثنائية التي يسعى إليها الأسد، ولإلغاء أي معارضة محتملة من جانب الولايات المتحدة قد تعتبرها أوروبا معارضة مقبولة، وجّه الرئيس السوري قواته لمحاربة قوات المعارضة بدلا من «داعش»، مما يجعل منه حليفًا محتملاً بالنسبة للتنظيم الإرهابي. وعلى النقيض من ذلك، فإن الجماعات التي يحاربها الأسد، والتي وجهت روسيا إليها ضرباتها أول من أمس (الأربعاء)، تعمل وبشكل روتيني على محاربة «داعش».
إن بعضًا من تلك الجماعات هم إرهابيون كذلك. ولكن الجماعات الأخرى ليست إرهابية، بل هي ميليشيات محلية تدافع عن مناطقها ضد عمليات السلب والنهب والقتل من آلة الحرب الرهيبة للأسد.
يُعتبر اقتراح الرئيس بوتين ودعوته العالم للانضمام إلى روسيا والأسد في هزيمة «الإرهابيين» وإعادة إعمار الدولة السورية اقتراحًا معيبًا يشبه في كثير منه خطة الرئيس أوباما، سيئة الحظ، لتدريب وتجهيز جميع ميليشيات المعارضة الجديدة. ولقد انقضى ذلك المجهود المزعوم إثر تراجع عدد المستعدين لمحاربة تنظيم داعش فحسب، ونبذ حربهم مع نظام الأسد.
كيف تحول ذلك الموقف إلى مفاجأة؟ هو أمر يصعب الوقوف عليه أو تصديقه. فلقد استخدمت قوات الأسد الاعتقال، والتعذيب، والأسلحة الكيماوية، والبراميل المتفجرة، في عمليات الأرض المحروقة لاستعادة السيطرة بأي وسيلة.
من غير المعقول أن ترضى الأغلبية السنية في سوريا وبخنوع إعادة فرض حكم نظام الأسد عليهم، أو مجرد اعتباره شريكًا في القتال ضد أي شر أكبر في المستقبل. وإلى الحد الذي يتمكن من خلاله بوتين من سحق كل أوجه المعارضة الأخرى ضد الأسد، فإن الأغلبية السنية السورية سوف تلتحق بالقوة الوحيدة المتبقية والمستعدة لحمايتهم، أي «داعش».
بصرف النظر عن مقدار الوعود التي يمنحها بوتين في محاولة لإضفاء الشرعية من جانب الولايات المتحدة وغيرها من الدول على الحملة الجوية التي يشنها في سوريا، والتي تبدو كمحاولة لتقاسم السلطات، والتعهد بحكومة انتقالية متعددة الأعراق في سوريا بمجرد استعادة النظام هناك، أو حتى الرحيل النهائي للأسد ونظامه، فإن تلك العروض والوعود تتسم بقدر كبير من الخواء حتى تعكس تصرفاته على الأرض أنه تقبل الحقيقة الأساسية لذلك الصراع.
أولا، يتعين على بوتين الإقرار بأن الأسد جزء من المشكلة.
ثانيا، عليه الاعتراف بالتمييز ما بين تنظيم داعش من جانب، والميليشيات المعارضة للنظام من جانب آخر.
وأخيرًا، عليه إدراك أن أي تسوية سياسية سوف تتضمن وضع المناطق السنية تحت السيطرة السنية أو الدولية، وربما مؤقتًا، في ظل وجود الأسد من عدمه في دمشق.
ومن دون تلك الالتزامات من جانب بوتين، فلن يمكنه التعبير عن القوة الكافية لإحلال السلام على الأراضي السورية.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»