مارك غيلبرت
TT

خدعة سؤال كاميرون عن مستقبل بريطانيا في الاتحاد الأوروبي

وعدت الحكومة البريطانية بإجراء استفتاء شعبي حول بقاء المملكة المتحدة ضمن الاتحاد الأوروبي، أو الخروج من ذلك التحالف الاقتصادي. الرهانات تبدو كبيرة، ومع احتلال موضوع الهجرة العناوين الرئيسية في صحف أوروبا قد يتسبب التراجع المحدود هذا الأسبوع لمحبي اليورو من البريطانيين، في تذكير الناس بأن هناك مخاطر لا يستهان بها في ما يتعلق بصعوبة الفوز في استطلاع الرأي العام، على عكس ما أظهره الاستطلاع الذي جرى مؤخرا.
وبعدما تسبب الاستطلاع في انقسام المملكة المتحدة بعد عملية التصويت، التي جرت العام الماضي حول استقلال اسكوتلندا، لن يستطيع أحد توجيه اللوم لرئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون بسبب سعيه كي يجعل كفة الميزان تميل لصالحه. بيد أن مراقبي انتخابات المملكة المتحدة أعلنوا، مؤخرا، عن رفضهم لأسلوب صياغة الاستفتاء العام الذي أعده ديفيد كاميرون، حيث تحفظت اللجنة الانتخابية على عبارة «هل يجب على المملكة المتحدة الاستمرار كعضو في الاتحاد الأوروبي؟»، وإتاحة الخيارين «نعم» أو «لا»، بدعوى أن تلك العبارة فتحت المجال «للتحيز». فقد كان من الأحرى صياغة السؤال كالتالي: «هل تستمر الملكة المتحدة عضوا في الاتحاد الأوروبي أم تخرج من الاتحاد الأوروبي؟». ويتوقع أن يطرح كاميرون السؤال بهذه الصيغة في وقت ما من العام المقبل.
السؤال بصيغته الأصلية كان بمثابة فخ نصب للناخبين كي يعطي الأولوية للردود الإيجابية عن الردود السلبية، وهو ما يطلق عليه علماء النفس «التلاعب بالألفاظ»، بأن تضع السؤال في إطار معين لتتلقى الإجابة المرجوة. فمثلا سوف نقبل على شراء اللحم في حال كُتب على الغلاف أنه يحتوى على 75 في المائة لحما أحمر، مقارنة بحال بالوضع في حال كُتبت على الغلاف عبارة «يحتوي على 25 في المائة دهنا».
فعبارات «البقاء» و«ترك» واضحة وقاطعة، حسب تيموثي بيتس، أستاذ علم النفس بجامعة إدنبره، في إجابة أرسلها بالبريد الإلكتروني. وعلى العكس «فالإجابة بنعم أو بلا لا تشير إلى ميل للقبول، وكذلك لا تقدم خيارات بديهية، إذ إن كلتا الإجابتين قد تكون جيدة أو سيئة، وكلا الخيارين يتصف بالصراحة في القرار الذي يتم اتخاذه».
من السهل ملاحظة كيف أن ديفيد كاميرون حاول الاستفادة من الميزة البسيطة في السؤال المطروح بصيغته الأولى، بعدما ألقت الحكومة وراء ظهرها استطلاع الرأي العام حول استقلال اسكوتلندا الذي جرى العام الماضي. فبإتاحة الفرصة للاسكوتلنديين كي يصوغوا السؤال بالشكل التالي: «هل توافق على أن تصبح اسكوتلندا دولة مستقلة؟»، سوف تصبح اليد العليا لأنصار الانفصال، وعليه لم تقع تقلع اللجنة الانتخابية في الخطأ نفسه في ما يخص أوروبا.
«وفي رأيي، كان مراقب الانتخابات على حق إلى حد ما، عندما احتج على السؤال بصيغته الأولى». وحسب أندرو كولمان، أستاذ علم النفس بجامعة ليستر، في رده على أسئلة أرسلت إليه بالبريد الإلكتروني: «السؤال بصيغته الأولى سوف يعتبر متحيزا، شأنه شأن السؤال الذي طرح في استفتاء استقلال اسكوتلندا الذي أراه متحيزا أيضًا. ولذلك فالنسخة المنقحة من السؤال تعتبر أكثر حيادية، وأنا على يقين أن الفارق سوف يكون كبيرا بين كلتا الحالتين».
ديفيد كاميرون مطالب بالسير على خط مخادع يفصل بين تفضيله الشخصي للبقاء داخل الاتحاد الأوروبي، لكن دون أن يبدو في مظهر من يخادع لتحقيق مآربه. ودائما ما تظهر استطلاعات الرأي العام التي جرت مؤخرا ميل أكثر المصوتين للبقاء داخل منظومة الاتحاد الأوروبي، حيث أشارت استطلاعات الرأي العام التي تجريها مؤسسة «يوغوف» هذا العام إلى أن نحو 43 في المائة إلى 46 في المائة من المصوتين يميلون إلى البقاء داخل الاتحاد الأوروبي، مقارنة بنسبة 33 في المائة إلى 37 في المائة يفضلون الخروج منه. غير أن الإجابات بـ«لا أعرف» وقفت في المنتصف بنسبة 18 في المائة. وفي حين كان البريطانيون في صف البقاء في الاتحاد الأوروبي، أظهرت استطلاعات الرأي العام التي أجرتها «يوغوف» في عدة دول، والتي سألت فيها المصوتين إن كانوا مع البقاء في الاتحاد الأوروبي أم لا، أن البريطانيين أقل حماسة من جيرانهم في هذا الشأن.
وبعدما فشلت استطلاعات الرأي العام في توقع نتائج الانتخابات البرلمانية البريطانية بداية هذا العام، هناك على الأقل سببان للتشكك من المؤشرات الحالية في ما يخص الوضع بالنسبة للاتحاد الأوروبي: أولا، يشير أول استطلاع رأي عام أجرته مؤسسة «يوغوف» إلى أن البريطانيين لا يتوقعون أن يتسبب تصويت البريطانيين ضد الاستمرار في الاتحاد الأوروبي في خروج بلادهم من ذلك الاتحاد. فالأمر يبدو مجرد مقايضة سياسية يقوم بها كاميرون لينتزع بها بعض التنازلات من شركائه الأوروبيين.
الأمر الثاني في ما يخص استطلاع الرأي العام هو في الحقيقة صدى للخطأ الذي حدث في الانتخابات البريطانية، عندما شعر من أطلق عليهم الناخبون «المحافظين الخجولين» بالخجل من إعلان دعمهم للحكومة الحالية. وبنفس المنطق، لا يريد المصوتون الذين يرون أن عضوية الاتحاد الأوروبي سوف تجعل حدودهم مستباحة للمهاجرين أن يظهروا بمظهر العنصري، وقد يخجلون من الإعلان عن رغبتهم في عدم الاستمرار في عضوية الاتحاد. «وتظهر الاستطلاعات غالبية قوية تدعم الاستمرار، غير أن أمر الهجرة، وهو الأمر الجوهري في تحديد موقف المصوتين، حساس وينطوي على خدعة، لأن الناس يخشون أن يوصموا بالعنصرية في حال عبروا عن قلقهم في ما يخص قبول الهجرة لبلادهم»، حسب كولمان، الأستاذ بجامعة ليستر.. «وقد يضعف الاستطلاع من موقف المصوتين لصالح ترك الاتحاد الأوروبي»، هذا ما أتوقعه.
تأخرت الحكومة كثيرا في إدراك خسارتها للجدل المثار في اسكوتلندا. إن كان ديفيد كاميرون جادا في أمر استمرار بريطانيا في عضوية الاتحاد الأوروبي، فعليه أن يظهر المزيد من القدرة على القيادة في ما يخص الهجرة، وعليه أن يبدأ في حشد التأييد مبكرا لإقناع من يرغبون في التصويت بـ«لا أعرف» أنه من الأفضل الحفاظ على الوحدة مع أوروبا، مثلما أنه من الأفضل الحفاظ على وحدة المملكة المتحدة.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»