الخبر الرابع الذي كتبته جريدة «البلاغ» عن قضية محمد سيد كيلاني وكتابه عن الشريف الرضي بتاريخ 19 يونيو (حزيران) 1937، نقله صابر أحمد نايل في كتابه «العلمانية في مصر بين الصراع الديني والسياسي 1900 - 1950)» مع إغفال نقل عنوان الخبر. ونص الخبر، كما نقله هو: «وقد شرع الأستاذ محمد حافظ - وكيل النيابة الأول لمحاكم مصر - في التحقيق مع المؤلف وقرر المحقق استمرار القبض عليه، وقد وجّه إليه تهمة الطعن في الدين الإسلامي إلى المؤلف، فقال: إن مؤلّفه لا يخلو من أن يكون بحثاً علمياً. وقال: إنه حصل على شهادة البكالوريا، ويدرس الآن الحقوق الفرنسية، وإنه لم يكن يقصد بما جاء في الكتاب سوى إثارة بحث علمي يتصل بالدين. وفي صباح اليوم ختم المحقق الأستاذ محمد حافظ التحقيق في هذا الحادث ثم رفع الأوراق إلى رئيس نيابة مصر، فتقرر رفع الدعوى العمومية على المتهم وإحالة أوراق القضية إلى محكمة جنح عابدين وتحديد جلسة يوم الخميس 24 يونيو موعد نظر هذه القضية».
يختم نايل حديثه عن كتاب كيلاني وعن القضية التي سبّبها له هذا الكتاب في محكمة الجنايات، بالقول: «ولست أعلم بنتيجة هذه القضية سوى الاطلاع على كتاب (فصول ممتعة) لمحمد سيد الكيلاني، كان قد ألّفه في عام 1959، ليستعرض فيه قضايا طه حسين والشعر الجاهلي، وعلي عبد الرازق وأصول الحكم، ومنصور فهمي ورسالته الشهيرة، وأمين الخولي وموقفه في معركة الفن القصصي في القرآن، وفي جميع هذه الفصول يدين محمد سيد الكيلاني كل أولئك الذين ساروا، كما سار هو في (الشريف الرضي) ليعلن عن تراجعه عن آرائه وطرائق بحثه تحت وقع تلك المحنة الهائلة».
كنت قد قرأت في هامش من هوامش كتاب إبراهيم عوض «كاتب من جيل العمالقة، د. محمد لطفي جمعة... قراءة في فكره الإسلامي» كلاماً، قال فيه: «مما كتبته الصحف في ذلك الوقت عن هذا الكتاب (يقصد كتاب كيلاني عن الشريف الرضي) خبر طويل نشرته جريدة (البلاغ) في 25/12/1937، تحت عنوان (موظف مسلم يطعن في الدين الإسلامي)، وخبر آخر قصير في (الأهرام) بتاريخ 27/12/1937، عنوانه (قضية كتاب أمام محكمة الجنايات)».
طلبت إلى زميل مصري يقيم في القاهرة مساعدتي بالحصول على صورتين فوتغرافيتين، بعد أن زوّدته بتاريخي نشر الخبرين.
بعد أن بحث عنهما - مشكوراً - أخبرني، أنه لم يعثر على خبر جريدة (البلاغ) الطويل، وأنه عثر على خبر جريدة (الأهرام) القصير، فأرسله إليَّ. وهذا هو نصه: «عرضت أمس على محكمة جنايات مصر، المؤلفة برئاسة صاحب العزة حسن فريد بك، القضية المتهم فيها محمد سيد كيلاني، وسامي راجي، بأن الأول نشر أشياء ماسة بالدين الإسلامي في كتابه ألّفه تحت عنوان (حياة الشريف الرضي)، وأن الثاني قام بطبع الكتاب. وقد أُجِّلت القضية لدور مقبل للاستعداد». سامي راجي في هذا الخبر غير واضح لي، إن كان هو ناشر الكتاب أم أنه طبعه على نفقته الخاصة، أم أنه صاحب «مطبعة الأهرام» بعابدين التي - كما هو مذكور في بيانات نشر الكتاب - طبعته.
يروي صاحب كيلاني أحمد حسين الطماوي في مقاله «رحيل سيد كيلاني - صاحب ربوع الأزبكية»، المنشور في مجلة «الهلال» قضيته في كتابه الأول عن الشريف الرضي وقضيته في كتابه الثاني عن حسان بن ثابت، فيقول: «تأثر كيلاني في ذلك الوقت، ببعض الكتاب المستخفين بالدين، ودسَّ في كتابه بعض العبارات الجامحة والكلمات المتطرفة. فقُبض عليه وقُدّم للتحقيق بتهمة الطعن في الدين، وتمت محاكمته، وحكم عليه سنة 1939، بالحبس سنة أمضاها في سجن مصر (قراميدان)... وكان في الفترة من 1937 إلى 1939 وقبيل الحكم عليه بالحبس، قد ألّف كتاباً آخر عن حسان بن ثابت، ودفع به إلى المطبعة، ثم حُكم عليه بالحبس في قضية كتاب (الشريف الرضي). ونترك جريدة (المقطم) في 13/4/1939، تحدثنا عن كتاب (حسان بن ثابت). قالت (المقطم) تحت عنوان (مصادرة كتاب يتضمن طعناً في شخصيات كبيرة): يذكر القراء أن شاباً كان يشتغل موظفاً في وزارة الأوقاف ألّف منذ مدة كتاباً بعنوان (الشريف الرضي) تضمن طعناً في الدين الإسلامي، فاعتقل وقدم إلى المحاكمة. وقد علمت أمس إدارة الأمن العام من مصدر سري، أن هذا الشخص ألّف كتاباً جديداً عنوانه (حسان بن ثابت) فيه أمور توجب العقوبة، فهوجمت المطبعة، وصودرت الملازم المطبوعة، وبمراجعتها ظهر أنها تشمل عيباً في الذات الملكية، وأحد أصحاب السمو الأمراء، وسبّاً وقذفاً وإهانة لكثير من الوزراء الحاليين والسابقين وغيرهم، وسعادة الشاذلي باشا محافظ العاصمة وغيرهم من العظماء... وقد أحيل هذا الكتاب إلى النيابة للتحقيق».
وبعد نقل الطماوي لهذا الخبر من جريدة «المقطم»، يكمل روايته - استناداً إلى ما حدثه كيلاني به عن قضيته تلك - فيقول: «وقد استدعى كيلاني من السجن للتحقيق معه، وحفظت القضية لعدم صدور الكتاب وتداوله، وأمضى العقوبة وخرج. وبالطبع فُصل من عمله في ديون الأوقاف، فاتجه إلى المدارس الخاصة».
كيلاني يكبر الطماوي بنحو ثلاثة عقود، والأخير في مقاله المشار إليه آنفاً التقاه أول مرة في قسم الدوريات بدار الكتب المصرية بالقلعة - وهي الجهة التي يعمل الأول بها - عام 1965 وسنُّه كانت فوق الحادية والعشرين. ثم انعقد حبل الود بينهما، وتواصلت لقاءاتهما منذ ذلك التاريخ إلى قبيل وفاة كيلاني.
لعلكم تذكرون في مقالي «الفصام بين المعتقد والممارسة» عن سلامة موسى سخريته من العقاد لتأليفه كتاباً عن خالد بن الوليد وكتاباً عن حسان بن ثابت، وأن الحوفي عرّض به بأنه يحمل ضغينة على الإسلام وعلى رسوله، فقال: «إنه نسب إلى العقاد التأليف عن حسان، فليخبرنا متى كان ذلك؟ اللهم إلا إذا أراد بحسان كل مشايع للرسول منافح عن الإسلام»!
وأصل الخلط والالتباس عند سلامة موسى أن العقاد بدأ بالتأليف في الإسلاميات عام 1942. ففي هذا العام صدرت ثلاثة كتب إسلامية. وفي عام 1943، صدر له كتاب إسلامي وفي عام 1944، صدر له كذلك كتاب إسلامي واحد. وفي عام 1945، قبيل صدور كتاب سلامة موسى «البلاغة العصرية واللغة العربية» التي تضمنت مقدمته سخريته من العقاد، كان قد صدر له ثلاثة كتب إسلامية، ثالثها كان «عبقرية خالد». وللحديث بقية.