د. ثامر محمود العاني
أكاديمي وباحث عراقي شغل العديد من المناصب الإدارية والأكاديمية، بينها إدارة العلاقات الاقتصادية بجامعة الدول العربية. كما عمل محاضرا في مناهج الاقتصاد القياسي بجامعة بغداد ومعهد البحوث والدراسات العربية. يحلل في كتاباته مستجدات الاقتصاد السياسي الدولي.
TT

العودة السورية للجامعة العربية

استمع إلى المقالة

قرر مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة التي عقدت في جدة، تجديد الالتزام بالحفاظ على سيادة سوريا ووحدة أراضيها واستقرارها وسلامتها الإقليمية، وذلك استنادا إلى ميثاق جامعة الدول العربية ومبادئه، ورحب باستئناف مشاركة وفود حكومة الجمهورية العربية السورية في اجتماعات مجلس جامعة الدول العربية، وجميع المنظمات والأجهزة التابعة لها، اعتبارا من يوم 7 مايو (أيار) 2023، وكانت القمة العربية في سرت الليبية في العام 2010 آخر قمة تحضرها سوريا.

ويقدر حجم الناتج المحلي الإجمالي لسوريا بنحو 18.1 مليار دولار عام 2021، إذ انخفض من 60.2 مليار دولار عام 2011. ويمكن مقارنة ذلك مع السعودية أكبر اقتصاد عربي بناتج 833.5 مليار دولار، ومصر (402.8 مليار دولار)، والعراق (209.9 مليار دولار)، وفقا للتقرير الاقتصادي العربي الموحد 2022. كما بلغت مساهمة قطاع الزراعة والصيد والغابات في توليد الناتج المحلي الإجمالي في سوريا 39.2%، والصناعات الاستخراجية 9.28%، والصناعات التحويلية 8.72%، والتشييد 0.73%، والكهرباء والغاز والماء 0.59%. ويلاحظ ضعف مساهمة القطاعات السلعية المهمة في توليد الناتج المحلي الإجمالي لسوريا.

تتناول هذه المداخلة تداعيات الأزمة السورية على واقع الاقتصاد السوري، حيث شهدت سوريا منذ مارس (آذار) 2011 واحداً من أخطر التحديات في تاريخها الحديث والمعاصر، ويمكننا القول إن هذا التحدّي يتمثل بأزمة على مختلف جوانب الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، إذ مع دخول سوريا الأزمة عام 2011 يمكن وصف المشهد الاقتصادي بالمرعب، وذلك بسبب عدم وجود أي إدارة مركزية تحكم الاقتصاد السوري، خصوصاً بعد خروج كثير من مساحات الأراضي من سيطرة الحكومة، وخروج العديد من المعابر عن سيطرتها، وبالتالي هذا ما جعل الإنتاجية الزراعية لمعظم الأراضي خارج سيطرة الدولة، بالإضافة إلى فقدان إمكانية إدارة التجارة، وأيضاً خروج معظم الثروة النفطية من إدارتها، كل ذلك كان نتيجة الحرب والفوضى التي عرفتها سوريا على مدى أكثر من عقد.

إن تحليل أثر الأزمة على الاقتصاد السوري بين عامي 2011-2023، وما خلفته من آثار سلبية على واقع القطاعات الاقتصادية الزراعية والتجارية والصناعية والثروات الباطنية، يهدف كذلك إلى معرفة تأثير إغلاق الحدود والمعابر وفقدان المواد الأولية للزراعة والصناعة، وخروج العديد من حقول النفط والغاز عن سيطرة الحكومة السورية، بالإضافة إلى هدف الكشف عن حجم الإنتاج الزراعي والصناعي وحجم صادرات التجارة الخارجية والواردات، وعن حجم تراجع الليرة السورية بالأرقام بالاستناد إلى المجموعة الإحصائية السورية وغيرها من الدراسات.

تسببت الحرب الدائرة في سوريا في خسائر فادحة في القطاع الزراعي، حيث نتج فقدان مساحات واسعة من الأراضي كانت تزرع وتساهم في دعم الاقتصاد الوطني، بالإضافة إلى تعثر الصادرات الزراعية وانخفاض عوائدها، إذ إن الأراضي القابلة للزراعة في سوريا خلال الأعوام المذكورة لم تشهد تطورا ملحوظا، ويعود ذلك لعدة أسباب، وفي مقدمتها خسارة الحكومة السورية للعديد من الأراضي الصالحة، وهذا ما جعل الإنتاج الزراعي منخفضا ولم يسد حاجات السكان محلياً. وتجدر الإشارة إلى أنه لا يمكن لأي اقتصاد في العالم أن يزدهر ويتطور من دون وجود تكنولوجيا عالية وتصنيع وتجارة ناشطة.

كما شهدت سوريا حركات نزوح لعدد كبير من الصناعيين والعمال الفنيين إلى دول الخارج، وفي مقدمتها لبنان وتركيا والأردن، وارتفعت تكاليف الإنتاج، ويعود ذلك للحصار والمقاطعة من بعض بلدان الجوار، سواء في ما يتعلق بفتح الاعتمادات أو في نقل مستلزمات الإنتاج الصناعي والإنتاج الجاهز من وإلى البلد وضمنها، وخسارة حصة هي في غاية من الأهمية من السوق المحلية لصالح الاستيراد والتهريب، وذلك بسبب توقف الإنتاج المحلي أو نقصه، وكذلك بسبب ضعف القوة الشرائية عند السكان، وانخفاض قيمة العملة السورية وارتفاع الأسعار، وانتشار تزوير المنتجات، كما تأثرت الصناعة بخروج المعابر الحدودية من أيدي الحكومة.

ختاما لا بد من دعم جهود الحكومة السورية من خلال المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع لجامعة الدول العربية، في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والطلب من الدول المانحة سرعة الوفاء بتعهداتها التي أعلنت عنها في مؤتمرات المانحين لدعم الوضع الإنساني في سوريا، والتأكيد على أهمية دعم الدول العربية المجاورة لسوريا وغيرها من الدول العربية المضيفة للاجئين والنازحين السوريين، وتوفير المجتمع الدولي الداعم لخطط الاستجابة الوطنية والأممية للتعامل مع أزمة اللاجئين السوريين تمهيدا لعودتهم الكريمة والآمنة إلى سوريا، من أجل بناء الاقتصاد السوري.