جوتشن بتنر
TT

الحرب الأهلية الكلامية في أوروبا

تقول الحكمة التقليدية إن أفضل السبل لتدمير الصداقة هو إقراض المال لشخص ما. فهل يجعل ذلك المثل من اليورو أسوأ فكرة خطرت ببال مهندسي الاتحاد الأوروبي حتى الآن؟
حتى وقت قريب كنت أقول لهم لا داعي للتعجل: حيث إن النزاعات بين الدول الـ28 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بشأن أزمة الديون اليونانية، كانت في واقع الأمر مفيدة، كما اعتقدت. فتلك النزاعات خلقت نوعا من الصراحة في كتلة الدول التوافقية للغاية في بعض الأحيان. ولكن ما يحدث الآن ينتقل إلى ما هو أبعد من الوضع السليم للأمور. وبدأت رائحة المشاكل تزكم أنوف الجميع في أوروبا.
ربما كانت آن ماري سلوتر، المسؤولة السابقة في وزارة الخارجية الأميركية، تبالغ قليلا لما قالت: إن أوروبا تواجه «حربا أهلية» من دون مواجهات مادية عنيفة. ولكن حقيقة الأمر تفيد، وعلى نحو مفاجئ، وبعد 60 عاما من التحرك في اتجاه الاتحاد الوثيق، بأننا في أوروبا صرنا نواجه شعورا مقلقا ومزعجا لم نكن نرغب في الإحساس به مجددا: وهو السهولة التي يمكن بها للدول التساقط من بعضها البعض، وإلى أي مصير يمكن لذلك التساقط أن يذهب بنا.
هناك خطابان متعارضان في خضم ذلك النزاع، وهناك نظامان منغلقان تماما أحدهما دائما على حق والثاني دائما على باطل. وهي ليست مجرد نزاعات سياسية جوفاء أو مجردة، برغم ذلك، ولكنها أقاصيص مفعمة بالعاطفة ومحملة بقدر كبير من الفخر والكبرياء والتحيز والعناد والآيديولوجية.
من أحد الجوانب، هناك قصة ألمانيا التي تعمل على تدمير الديمقراطية الأوروبية، على نحو ما يشاع لدى اليسار الأوروبي، ويلقى زخما متزايدا من قبل الكثير من المعلقين الأميركيين.
قيل إن الفوضى الحالية يقف وراءها محرك وحيد وأساسي: الألمان المعتزون بأنفسهم للغاية والمهووسون بالقواعد والأحكام. بعد انضمام اليونان لدول منطقة اليورو في عام 2001. شرعت البنوك الألمانية في عمليات الإقراض المفرطة للمواطنين والشركات اليونانية، في حين قام الجانب اليوناني في المقابل بإنفاق تلك الأموال على السيارات والماكينات الألمانية.
وفي ألمانيا، بدأ المنتجون في عشق اليورو: حيث انهمرت طلبات الشراء على دفاترهم الخاصة، وذلك لأن البضائع الألمانية صارت تحمل ميزة تنافسية كبيرة عما كان عليه الأمر في أيام المارك الألماني. ولكن حينما اقتربت اليونان من حافة الإفلاس في عام 2010، لم يساعدهم الألمان إلا بمحاولة إنقاذهم بنوكهم فحسب. ولقد كان الجانب الألماني، وليس اليوناني، هو صاحب الاستفادة الكبرى من حزمة المساعدات المالية المقدمة. وعلاوة على ذلك، كانت إجراءات التقشف المفروضة على اليونان من قبل ألمانيا منهكة لاقتصادها للغاية، مما تسبب في ارتفاع معدلات البطالة اليونانية لمستوى 25 نقطة مئوية.
وعندما نظم اليونانيون الاستفتاء، في محاولة لإيقاف هذا الجنون، ردت ألمانيا بالمزيد من الابتزاز: إما قبول المزيد من إجراءات التقشف الصارمة أو مغادرة منطقة اليورو. هي نفسها ألمانيا التي طالبت بشطب ديونها الأوروبية عقب الحرب العالمية الثانية تحاول الآن خنق الجنوب الأوروبي ما لم يخضع لإرادة برلين. فإما اتحاد أوروبي باقتصاد الرايخ الرابع، أو مقاومة الاقتصاد الأوروبي بأكمله!
تلك إحدى القصص المطروحة. أما القصة الثانية فتدور حول محاولة اليونان تدمير منطقة اليورو، كما يطرحها تيار اليمين الأوروبي ويهلل لها المعلقون الأوروبيون في الشمال.
فأزمة الديون، كما يقولون، جاءت كنتيجة مباشرة لعدم الكفاءة السياسية اليونانية طويلة الأمد. فلقد عمدت أثينا إلى ترتيب دفاترها الاقتصادية بهدف الانضمام لمنطقة اليورو، ثم كوفئت بفرصة ذهبية لاقتراض الأموال بفائدة لا تزيد على 5 في المائة، مقارنة بسعر فائدة يقترب من 18 في المائة في أوقات الدراخمة اليونانية. ولكن بدلا من العمل على استثمار الأموال «الرخيصة»، شرع اليونانيون في إنفاقها بمنتهى السعادة.
ثم جاءت حكومة حزب سيريزا اليسارية إلى السلطة في اليونان. وكانت هي، وليست ألمانيا، التي تقوم بالابتزاز.
فهل هناك من طريقة لإيقاف قوى الطرد المندفعة بعيدا عن المركز؟ أجل، لحسن الحظ. كشفت الأزمة اليونانية عن شقوق عميقة بين جموع الأوروبيين. ولكن، يظل الصديق هو الشخص الوحيد الذي يعرف عنك كل شيء ولا يزال يحبك بصدق، على نحو ما قال الكاتب الأميركي الشهير ألبرت هوبارد. ذلك بالضبط هو مستوى الصداقة الناضجة الذي تحتاجه أوروبا الآن.
ربما نتفق جميعا على درس واحد مستفاد من الأزمة اليونانية، وهو تحديدا، ومن أجل المحافظة على الصداقة، أنه لا ينبغي عليك الإقراض إلا بالقدر الذي يمكنك التصدق به فحسب. ومن هذه النقطة، يمكننا نحن الأوروبيين النمو سويا كرجال كبار وعقلاء.
* خدمة «نيويورك تايمز»