لا يخلو يوم من مقال عن منطقتنا وتعامل إدارة الرئيس بايدن معها، إستراتيجياً وتكتيكياً، سواء في الصحف الأميركية، أو تقارير مراكز الأبحاث. وجل تلك القصص تركز على عودة العلاقات السعودية الإيرانية عبر وساطة صينية، وانتقادات لطريقة تعاطي الإدارة مع المنطقة.
وهناك نفس إيجابي بتلك الطروحات حيال السعودية بعد فترة شيطنة وتأليب ممنهجة، وبعض من السذاجة في فهم المنطقة والسعودية، والأهم أن هناك تركيزاً على الفراغ الذي أحدثته الإدارة بالمنطقة نتيجة عدم الحضور الدبلوماسي، وانقطاع قنوات الاتصالات مع الحلفاء.
والعجيب في جل تلك المقالات إغفالها للأهم وهو إنسان المنطقة، مستقبله وهواجسه، حيث تتحدث بتعالٍ وسذاجة عن مكافحة الإرهاب، و«ضمان» عدم امتلاك إيران السلاح النووي، ووضعت ضماناً بين مزدوجين؛ لأن الثقة معدومة، ولا استراتيجية أساساً للتعامل مع طهران.
واللافت في تلك التغطية التي تغفل إنسان المنطقة ومصالحه هو تركيزها الدائم والصارخ على السلام مع إسرائيل، وكأن حكومة نتنياهو تمد يد السلام، والحقيقة أن الحكومة الإسرائيلية هي في صراع مع الإسرائيليين أنفسهم.
أقول ذلك وأنا من أنصار السلام، ويقيني أن معركة ما بعد السلام ستكون أشرس من معارك اليوم؛ لأنها ستكون معركة التفوق علمياً واقتصادياً، وهو الأمر الذي سيلمسه المواطن الإيراني، مثلاً، الآن بعد عودة العلاقات السعودية الإيرانية، وإمكانية التنقل بين البلدين.
وعليه فإن القصة الحقيقية بمنطقتنا هي الإنسان، وحقه في العيش الكريم والآمن، والتعليم وتطوير الذات والأبناء، والصحة، وتوفير الوظيفة، وقبل هذا وذاك سداد فواتير تكاليف معيشته ومعيشة أبنائه.
إنسان المنطقة حريص على مداخيل بتروله لضمان حياة كريمة أكثر من ضمان سعر البترول من أجل حملة انتخابية. وإنسان المنطقة بحاجة إلى مواكبة التطور التكنولوجي لتطوير نمط حياته ومستقبل أبنائه، وأكثر حرصاً على ذلك من حرص واشنطن على الملف النووي الإيراني.
وإنسان المنطقة تعنيه حياته بطريقة جدية، وأكثر من الطريقة التي تعاملت معها الإدارات الأميركية، وتحديداً في عهد أوباما، وإلى الإدارة الحالية، حيث الاستهتار الكامل بحياة السوريين، وما فعله نظام الأسد بهم، أو طريقة تعامل الإدارة مع أفغانستان.
ورغم كل ثناء الإدارة الأميركية، مثلاً، على الجهود السعودية السياسية الدولية والإقليمية، نجد الطرح في الإعلام الأميركي مسلط على قضايا ثانوية، وبلغة قديمة متحجرة لا تراعي متغيرات المنطقة.
مثلاً، اليوم السعودية أفضل نموذج شراكة لمن يريد التغيير الإيجابي بالمنطقة، ومعها دول الخليج، وهذا كله يصب في مصلحة الإنسان أولاً، وهو ما يتجاهله المحللون والساسة بواشنطن.
وإذا كانت الإدارة، والنخب الأميركية، جادين فيما يطرح فإن أهم شيء يجب تسليط الضوء عليه هو الإنسان غير المؤدلج الباحث عن حياة كريمة، ومستقبل مشرق، بدلاً من الحديث عن الإنسان بدعاية فجة.
اليوم هناك فرصة لشراكة تعلي قيمة الإنسان، والعيش المشترك، وفرص السلام. فهل يعي البعض بواشنطن حقيقة ذلك؟ مجرد زيارة للسعودية، مثلاً، أو جولة خليجية، من شأنها أن تشعر المهتم بذلك. فهل تريد واشنطن النموذج السعودي أم نموذج هدم الدول من حولنا؟