ينتقد رئيس البرلمان جون بوينر الرئيس باراك أوباما على تفاوضه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في الوقت الذي يرفض فيه التفاوض مع الجمهوريين بمجلس النواب. لا تقلق سيدي رئيس المجلس، فهو سيتفاوض. وحينما يفعل ذلك، تكون ثمة أشياء محدودة يمكن أن يتعلمها الجمهوريون من بوتين حول كيفية تفوقه على أوباما وكيفية سماح أوباما له بهذا.
فيما يلي ثلاثة دروس ينبغي أن يتعلمها الحزب الجمهوري من تخاذل أوباما في التعامل مع قضية سوريا على النحو الذي يمكن أن يساعدهم في الفوز في معركة الموازنة المقبلة.
الدرس الأول: التحول في «الخطوط الحمراء» التي حددها أوباما. تحول أوباما من التهديد بتوجيه ضربة عسكرية لسوريا، إذا ما حرك الديكتاتور السوري بشار الأسد أسلحته الكيماوية، إلى مطالبته بعدم استخدامها، وانتهاء بمطالبته بتسليمها. ورد الأسد بتحريك أسلحته الكيماوية واستخدامها ليس مرة واحدة فقط وإنما 14 مرة بدءا من ديسمبر (كانون الأول) 2012، قبل ثلاثة أشهر فقط من إعلان أوباما عن خطه الأحمر. لم يفعل أوباما شيئا. لم يدفع الأسد ثمنا. والآن، بدلا من أن يتعين عليه «الرحيل» (مثلما طالب أوباما في عام 2011) أو مواجهة ضربة عسكرية، أصبح الأسد شريكنا في نزع السلاح.
وبسجل التردد هذا، لماذا بحق السماء قد يصدق الجمهوريون أوباما حينما يقول إنه لن يتفاوض معهم حول سقف الدين؟ إنه لن يتفاوض فحسب، بل سيرضخ لمطالبهم أيضا. إذا لم يكن الرئيس مستعدا لتوجيه ضربة عسكرية «صغيرة على نحو لا يمكن تصديقه» ضد سوريا، فإنه لن يدمر الاقتصاد الأميركي.
الدرس الثاني: أوباما يوقف الصفقات عندما يكون محرجا. على مدار أزمة سوريا، قيد أوباما نفسه من خلال سلسلة خطوات خاطئة. لم يكن خطه الأحمر الخاص بأسلحة الدمار الشامل معدا بشكل مسبق، وإنما زلة لسان. بعدها، طالب العالم بالانضمام له في تفعيله - ليجد بوتين يعرقل تصديق مجلس الأمن والبرلمان البريطاني يصوت بالرفض وحلف الناتو يرفض مد يد العون. بعدها، أشار أوباما إلى أنه سيتخذ إجراء أحادي الجانب، غير أنه عاد فجأة عن هذا المسار. أعلن أنه سيتوجه إلى الكونغرس للحصول على تصديقه - ضد نصيحة طاقمه ومن دون الحصول على قدر كاف من الاستشارات من قادة الكونغرس عن فرص النجاح. حينما وجد أوباما نفسه على شفا هزيمة محرجة في الكونغرس، تدخل بوتين وأنقذه بعرض اتفاق لنزع السلاح من سوريا. ووافق أوباما على عرض بوتين لأنه كان في موقف محرج - ولم يكن أمامه أي خيار آخر.
أما بالنسبة للجمهوريين، فليس أوباما في موقف حرج مماثل. الرئيس على استعداد تام لجعل الحكومة تعطل عملها بتاريخ 1 أكتوبر (تشرين الأول) وإلقاء اللوم على الحزب الجمهوري. ما لا يمكن أن يفعله هو أن يجعل الحكومة تعجز عن سداد ديونها - لأنه مثلما أخبر وزير الخزانة في تلك الفترة، تيم غيثنر، أوباما في عام 2011، فإن تبعات العجز عن السداد «ستكون مستمرة ومستعصية العلاج. وقد تمتد لأجيال مقبلة». الجمهوريون ليس لهم تأثير في مواجهة تعطيل عمل الحكومة، ولكن في مواجهة سقف الدين، يملكون تأثيرا. وهذا هو الموضع الذي يجب أن يتخذوا موقفا فيه.
الدرس الثالث: سوف يجد أوباما مخرجا لحفظ ماء وجهه. في قضية سوريا، انتصر بوتين على أوباما ولكنه لم يهنه. فقد أخذ الرئيس جانبا، ثم وجهه باحتراس إلى هبوط آمن - مانحا أوباما مخرجا لحفظ ماء وجهه، الأمر الذي سهل عليه الاستسلام.
يحتاج الجمهوريون للقيام بالشيء نفسه فيما يتعلق ببرنامج أوباما لإصلاح الرعاية الصحية. الرئيس لن يسمح للكونغرس بمنع تمويل مبادرته التشريعية المميزة. وتشير استطلاعات الرأي إلى أنه فيما تعارض أغلبية متزايدة برنامج أوباما لإصلاح لرعاية الصحية، فإن الأميركيين لا يرغبون في أن يروا تعطيلا لعمل الحكومة لهذا السبب. ربما يخسر الحزب الجمهوري المعركة التشريعية وأيضا المعركة لكسب الرأي العام.
بدلا من ذلك، يجب أن يسعى الجمهوريون إلى هدف يمكن تحقيقه - تأجيل تنفيذ برنامج أوباما لإصلاح الرعاية الصحية لمدة عام. سيشكل ذلك عقبة كبرى أمام أوباما، ولكن سيكون بمقدوره - على غرار اتفاق نزع الأسلحة السورية - تبريره. في المقام الأول، أجل أوباما بالفعل أجزاء من قانونه الخاص بالرعاية الصحية، مثل تفويض صاحب العمل. ويشكو أنصاره من النقابات العمالية من أن ثمة عناصر من القانون بحاجة للإصلاح. لقد أقرت إدارته نفسها بأن برامج التسجيل في أسواق الأوراق المالية عرضة للتزوير وإساءة الاستخدام. ويعي الديمقراطيون في الكونغرس أنه إذا لم تتم عملية الإدراج على نحو جيد، فسوف يحملون الوطأة الكبرى في المستقبل.
يوفر التأجيل مخرجا بالنسبة لأوباما، من دون الإهانة. وفي مواجهة خيار التأجيل أو العجز عن السداد، سيختار أوباما التأجيل. بعدها، يستطيع الجمهوريون عرض قضيتهم على الشعب الأميركي وجعل انتخابات منتصف المدة في عام 2014 استفتاء على برنامج أوباما لإصلاح الرعاية الصحية.
في حالة ما إذا اتبع الجمهوريون استراتيجية بوتين - ألا وهي إجبار أوباما على تغيير خطوطه الحمر وتقييده، ثم منحه مخرجا لحفظ ماء وجهه كي يخضع - يمكنهم الانتصار. ولن يجد أوباما من يلومه إلا نفسه. إن إحدى تبعات الرضوخ هي أن الآخرين سيتجرأون على اختبار عزيمتك. فيما يتعلق بسوريا، اختبر بوتين عزيمة أوباما ووجدها ضعيفة. الآن، حان دور الجمهوريين بالكونغرس للقيام بالشيء نفسه إزاء برنامج الرعاية الصحية.
إن الحزب الجمهوري بحاجة للتحلي بالذكاء وأن يفوقوا أوباما براعة في المناورة - تماما مثلما فعل فلاديمير بوتين.
* خدمة «واشنطن بوست»