وائل مهدي
صحافي سعودي متخصص في النفط وأسواق الطاقة، عمل في صحف سعودية وخليجية. انتقل للعمل مراسلاً لوكالة "بلومبرغ"، حيث عمل على تغطية اجتماعات "أوبك" وأسواق الطاقة. وهو مؤلف مشارك لكتاب "أوبك في عالم النفط الصخري: إلى أين؟".
TT

الديزل الروسي في السعودية

نشرت وكالة كبلر لتتبع الناقلات بيانات أظهرت فيها أن السعودية استوردت كميات قياسية من الديزل الروسي في حدود 2.5 مليون برميل خلال الأيام العشرة الأولى من شهر مارس (آذار) الجاري هي الأعلى منذ ست سنوات.
ماذا يعني هذا؟
أولاً هذا ليس بالأمر الجديد، فالسعودية سبق وأن استوردت كميات من الديزل الروسي في سنوات سابقة مثل 2020 و2019 بحسب البيانات نفسها من كبلر.
لماذا تستورد المملكة الديزل من الخارج بينما تقوم بإنتاجه محلياً؟ أرامكو السعودية ردت على هذه البيانات من كبلر في تصريح نشرته «بلومبرغ» قالت فيه الشركة إنها تعمل على تلبية احتياجاتها من مصادر مختلفة لتلبية الطلب المحلي، مضيفة أن هذا الإجراء تقوم به حتى من قبل الأزمة الروسية الأوكرانية التي بدأت العام الماضي.
وهذا يقودنا إلى الأمر الثاني وهو أنه لا يمكن اعتبار ما تقوم به أرامكو السعودية نوعاً من الدعم السياسي لروسيا، بل هو إجراء تجاري بحت لأن الشركة تبحث عن المواد البترولية من أماكن كثيرة وتستفيد من فروقات الأسعار.
فعلى سبيل المثال تستورد أرامكو السعودية بعض المشتقات البترولية من أسواق تبيع بأسعار أقل وتستخدم هذه المواد محلياً وتبيع ما تنتجه في السوق العالمية بأسعار أعلى.
وقد يتساءل البعض هنا كيف يمكن لها الحصول على الديزل أو وقود السيارات بأسعار أقل؟ هناك بعض المصافي التي لديها فائض في الإنتاج بسبب هبوط الطلب أو بسبب عوامل أخرى، ولهذا فهي مضطرة لتصريف البضاعة بسعر أقل، وهنا تأتي شركات تجارة النفط مثل شركة أرامكو لتجارة النفط لتستورد هذه المواد بسعر أقل من سعر السوق العالمية.
وتحقق الشركة مكسباً من خلال بيع هذه الكميات في السوق العالمية بسعر أعلى. وفي بعض المرات تواجه بعض المصافي إشكاليات للبيع في بعض الأسواق مثل أوروبا بسبب الاشتراطات البيئية المتزايدة، فتشتري منها أرامكو السعودية وتصدر في الوقت ذاته وقودها الذي تنتجه والذي يتطابق مع المواصفات الأوروبية بسعر أعلى في أوروبا.
وفي مرات كثيرة تقفل أرامكو وحدات إنتاج الديزل أو بعض المصافي للصيانة، ولهذا تضطر للاستيراد من الخارج لمواكبة الطلب المحلي.
في كل الأحوال أرامكو تضطر إلى الاستيراد باستمرار خلال مواسم الحج والعمرة التي تشهد ارتفاعاً كبيراً في الطلب أو حتى في الصيف. وهنا تشتري أرامكو ليس الديزل فقط بل زيت الوقود الثقيل بأسعار مخفضة الذي تستخدمه في إنتاج الكهرباء.
ولا ننسى أن روسيا تبيع الديزل تحميل موانئ البلطيق بسعر منخفض حالياً يقارب نحو 30 دولاراً، أقل من سعر الديزل في السوق الأوروبية، نظراً لأن روسيا نفسها تحتاج لتصريف الديزل بدلاً من تراكمه لديها بعدما قرر الاتحاد الأوروبي حظر وارداته منها وتطبيق سقف سعري على واردات الدول منه عند 100 دولار للبرميل للديزل و45 دولاراً لبرميل زيت الوقود الثقيل.
وفي ظل هذه الظروف الجيوسياسية من السهل على الإعلام اعتبار هذا الأمر تقليداً جديداً وتأويل الموضوع بأشكال مختلفة، بينما في حقيقة الأمر كل الدول خارج الاتحاد الأوروبي تشتري المنتجات الروسية بفضل أسعارها المنخفضة.
لكن اللافت هو أن حركة المشتقات البترولية ستتغير كثيراً هذا العام وسنرى المزيد من الديزل الخليجي متجهاً إلى غرب السويس، ونرى المزيد من الديزل الروسي مسيطراً على منطقة شرق السويس، وهذا أمر مهم لاستقرار السوق العالمية والأسعار، إذ إن غياب الإمدادات الروسية عن السوق العالمية أمر ضار بالمستهلكين.