ممدوح المهيني
إعلامي وكاتب سعودي. مدير قناتي «العربية» و«الحدث» كتب في العديد من الصحف السعودية المحلية منها جريدة الرياض، ومجلة «المجلة» الصادرة في لندن. كما عمل مراسلاً لـ«الشرق الأوسط» في واشنطن. وهو خريج جامعة جورج ميسون بالولايات المتحدة.
TT

حرب حياة أو موت!

يتمتع حاكم ولاية فلوريدا رون ديسانتيس بشخصية كاريزمية وقيادية. تلتف حوله غالبية سكان فلوريدا، ولعب دور المحارب الثقافي في مواجهة هجوم أفكار «wokeism» أو التيقظ. قضى على منافسيه في الانتخابات الأخيرة في الجولة الأولى، وابتعد عن أقرب منافس بمليون ونصف المليون صوت. يصفه أحد الصحافيين المعارضين له بأنه مثل ترمب، ولكن الفرق أن ديسانتيس معه عقل.
ديسانتيس من أهم المرشحين الجمهوريين، ومنافس عنيد للرئيس ترمب الذي سيواجه صعوبات كبيرة للتغلب عليه. فالجمهوريون المعتدلون يرون في ديسانتيس كل ما لا يريدونه في ترمب الذي تسبب في تقسيم حزبهم، وشكك في نظامهم الديمقراطي، واصطف مع الأصوات المتطرفة لتعزيز موقعه. سياسة ترمب تعتمد على فكرة «أنا وبعدي الطوفان»، ولكن ديسانتيس يظهر بصورة أقل أنانية، ويعتمد سياسة «أنا والجمهوريون وبعدنا الطوفان»، ولكن ديسانتيس تعرض لهجمات مضادة من قبل الجمهوريين بعد حديثه أنه لا توجد مصالح لأميركا في أوكرانيا تبرر تدخلها، وعدّ الحرب بين روسيا وأوكرانيا هي فقط «خلاف مناطقي»! هذه التصريحات جعلت أعضاء كونغرس جمهوريين يبتعدون عنه، ويعدّون المسألة أكبر من خلاف حدودي بين جارين.
من المرجح أن يكون كلامه للتكسب الانتخابي وإظهاراً للناخب أن أميركا أولاً، فالمواطن الأميركي هو من سيصوت له وليس الناخب الأوكراني، ولكن هذه النقطة الأساسية؛ أن الجمهوريين في غالبيتهم يقفون خلف الرئيس بايدن في التدخل في أوكرانيا ومجابهة روسيا. ينتقدون زلات لسانه وتعثره على السلالم، ولكن ليس قرار الحرب. وفي العادة يشاغب الحزب المعارض على الرئيس في البيت الأبيض إذا ما تدخل خارجياً، كما حدث في العراق وأفغانستان، ولكن هذه المرة الصورة مختلفة. روسيا ليست الصومال أو باكستان أو ليبيا، والاتفاق بين الطرفين يكاد يقترب من الإجماع.
ولهذا، فإن الحديث عن انتظار بوتين لرئيس جمهوري يحل مكان بايدن حتى يغير استراتيجيته الحربية غير دقيق. الاستراتيجية واحدة، حتى لو عاد ترمب رئيساً، فإنه سيجد صعوبة كبيرة في تغييرها.
وهناك من يوجه انتقادات للولايات المتحدة في تدخلها الكبير والسريع في أوكرانيا على المستويات كافة، والواقع أن هذه التساؤلات التي تكشف عن وجهين لواشنطن هي الغريبة. من وجهة نظر أميركية، انتصار بوتين يعني نهاية العالم الذي صممته أميركا، وبذلت مع حلفائها الأوروبيين الدم والدموع من أجل تشكيله وترسيخه لأكثر من سبعين عاماً. ولن تترك هذا يحدث بسهولة مهما كانت ميول وتوجهات الرئيس. إنها باختصار معركة حياة أو موت، ويصرح بوتين بوضوح بأن هذا هدفه الرئيسي؛ لأنه يعتبر هذا النظام ظالماً لروسيا ولغيرها من الدول، لهذا يهدف للإطاحة به واستبدال نظام دولي جديد به. في المقابل، الحروب في الشرق الأوسط ليست بالنسبة لها عاملاً شديد التأثير عليها، وفي عزّ انهيار الدول العربية واحدة تلو الأخرى، ازدهر الاقتصاد الأميركي، وتوسع نفوذ واشنطن، وشهدنا فيها أحدث الثورات التقنية.
الفكرة باختصار، أن من يعتقدون أن أميركا ستخرج من أوكرانيا واهمون، وأن الحرب مستمرة حتى النهاية، حتى لو أتى رئيس ينادي بالانعزالية، وحتى لو كان معبود الجماهير مثل رون ديسانتيس.