حمد الماجد
كاتب سعودي وهو عضو مؤسس لـ«الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان السعودية». أستاذ التربية في «جامعة الإمام». عضو مجلس إدارة «مركز الملك عبد الله العالمي لحوار الأديان والثقافات». المدير العام السابق لـ«المركز الثقافي الإسلامي» في لندن. حاصل على الدكتوراه من جامعة «Hull» في بريطانيا. رئيس مجلس أمناء «مركز التراث الإسلامي البريطاني». رئيس تحرير سابق لمجلة «Islamic Quarterly» - لندن. سبق أن كتب في صحيفة «الوطن» السعودية، ومجلة «الثقافية» التي تصدر عن الملحقية الثقافية السعودية في لندن.
TT

من أجَّج النزعات الطائفية؟

كنا دوماً نسمع، قبل السبعينات، أن سكان الحي في العراق أو في عدد من الدول الخليجية، سنّة وشيعة، يتجاورون ويتزاورون ويتهادون ويتعاونون ويعود بعضهم بعضاً لعشرات السنين دون أن يعرف جار الهوية المذهبية لجاره، ودون أن يتحسس أو يتجسس لكشف هذه الهوية، شعارهم ولو لم ينطقوه «لكم مذهبكم ولي مذهبي» و«الخلاف في المذهب لا يُفسد في التعامل قضية».
إن حالة التدين التي اجتاحت العالم العربي في السبعينات والثمانينات بعد فشل المد القومي كان من أعراضها الجانبية فرط التحسس من الآخر الديني والمذهبي، تحسس لا يسنده شرع ولا وطنية ولا إنسانية، بل على العكس، ففي العصر النبوي وما تلاه من العصور المفضلة مئات النماذج التي تعطي الآخر حقوقه كاملة من غير المسلمين لدرجة جعل النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - إيذاء أحد منهم إيذاءً لشخصه الشريف، فما بالنا بالمذاهب الإسلامية؟
الكل يعرف قصة الخليفة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - حين فتح القدس ورفض الصلاة في كنيستها حتى لا يسلبها المسلمون من الرهبان بحجة صلاة عمر فيها، مثل هذه المواقف الإنسانية النبيلة المقدرة للآخر ولحقوقه الكل يرددها، لكن تجد أثرها قليلاً حينما تختبرها المواقف الواقعية العملية.
أعود للعلاقة بين أهل المذهبين السني والشيعي في منطقة الشرق الأوسط، ستجد أن الوقائع على الأرض تثبت يقيناً أن هذه العلاقة قد أصابها شرخ بعد الثورة الطائفية الخمينية في إيران، وحين نقول هذا الكلام سنلاقي من يحذر من الاتساخ بوحل الطائفية، ويؤكدون أن الأوضاع في المنطقة لا تحتمل مزيداً من سكب زيت الطائفية على نار الصراعات، التي قد يتطاير شررها إلى المناطق التي سلمت من النزاعات الطائفية.
وأنا أوافقهم في منطقية القلق من خطر الطائفية، وأن على الأصوات العاقلة لدى كل الأطراف أن تعمل على محاربة الطائفية، والتحذير من شرورها وشررها العابر للأقاليم والدول والقارات، ولكن ما يجب أن ينتبه له هؤلاء أن السكوت عن تغلغل إيران السياسي والعسكري والميليشياتي والآيديولوجي، وتغولها في مناطق دول تتميز بالوحدة المذهبية، هو في حد ذاته تعزيز للطائفية، إن إيران تواصل انتهاكات الأمن القومي للوطن العربي.
ونحن هنا لا نلقي تهمة بعث الطائفية على الخمينية المتمددة جزافاً، أو من باب المناكفة السياسية أو المذهبية إطلاقاً، بل ما نقوم به محاولة جادة لبحث جذور المشكل الطائفي، الذي بات مهدداً خطيراً للجميع، ولم يكن الأمر كذلك حتى هبّت رياح الخمينية الطائفية العاتية نهاية السبعينات، فبدأت تتغلغل في البلاد العربية، تحت شعار تصدير الثورة ورفع شعارات المقاومة والممانعة والوحدة الإسلامية، الشعارات التي تهاوت وبان زيفها على الثرى العراقي والسوري واليمني واللبناني.
نحن لا نفتعل معركة كلامية أو عسكرية مع اليهودي لأنه يهودي، ولا النصراني لأنه نصراني، ولا حتى البوذي والهندوسي لأنهما كذلك، وإلا لما تعايش معهم المسلمون في العصور المتعاقبة منذ عهد النبوة حتى زماننا هذا، ولكننا أيضاً نرفض من يرفع في وجوهنا كارت الطائفية الأحمر، لمجرد أننا حذرنا من إيران الطائفية النووية، ونرفض من يتهمنا بالطائفية لأننا ننتقد الخمينية، وهي ترعى بنَفَس طائفي صريح كل ميليشيا تقوض الأمن والسلم في العراق وسوريا واليمن ولبنان، وحتى بعض دول الخليج.